اتجهت الأنظار، اليوم الجمعة، إلى الضربة الإسرائيلية التي طالت إيران فجراً، وذلك رداً على الهجوم الذي شنته طهران ضد إسرائيل الأحد الماضي.
ومنذ الصباح الباكر، انشغل العالم بما أقدمت عليه إسرائيل، إذ أفيد بأنّ صاروخاً ضرب إيران خلال الليل وقد سمُع دوي انفجارات في محيط مدينة أصفهان بوسط البلاد.
من جهته، تقول وسائل إعلام إيرانية إنه تمّ تدمير 3 طائرات بدون طيار بعد تفعيل أنظمة الدفاع الجوي في البلاد، ونقل عن مسؤول كبير بالجيش الإيراني في محافظة أصفهان قوله إنه “لم يتم الإبلاغ عن أي أضرار”.
وتضم مقاطعة أصفهان قاعدة جوية كبيرة ومجمعاً كبيراً لإنتاج الصواريخ والعديد من المنشآت النووية، فيما قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنه لم تتضرر أي مواقع نووية جراء الهجوم الأخير.
وسط ذلك، ورأى محللون ومسؤولون إسرائيليون سابقون أن الهجوم كان بمثابة رسالة إلى طهران تفيد بقدرة تل أبيب على مهاجمة إيران داخل أراضيها، فيما اعتبر آخرون أيضاً أن ما جرى كان إشارة من إسرائيل بأنها قادرة على ضرب المنشآت النووية الإيرانية.
أمام هذا المشهد المُتصاعد، تبرز إلى الواجهة التفاصيل المرتبطة بقدرات إيران النووية.. فأين تتوزّع منشآتها الأساسية؟ وما هي قوتها الفعلية على هذا الصعيد؟
على أرض الواقع، تتوزع المنشآت النووية في إيران بين 4 أفرع رئيسية هي مراكز البحث، ومواقع التخصيب، والمفاعلات النووية، ومناجم اليورانيوم.
– مراكز الأبحاث النووية: وأبرزها مركز جورغان، ومركز جابر بن حيان للأبحاث والتحويل، ومركز درمند لأبحاث فيزياء البلازما، ومركز جامعة شريف للبحوث النووية، ومركز بوناب للبحث والتطوير، ومركز معلم كالايه للبحوث النووية.
– مواقع تخصيب اليورانيوم: ومن أهمها مركز رامانده ولشكر آباد، ومنشأة نطنز، وموقع دارخوين المشتبه في أنه معد للتخصيب، ومركز أردكان لتنقية خام اليورانيوم. ولإيران منجمان لليورانيوم هما منجم سغند ومنجم زاريغان.
وتخصيب اليورانيوم هو عملية تحويل غاز اليورانيوم الخام إلى وقود نووي، وتنفذ هذه العملية بواسطة الطرد المركزي، وهي عملية فصل اليورانيوم ومن ثم تركيزه.
وتحتاج المفاعلات المكرسة لإنتاج الطاقة تخصيباً بنسبة 3.5%، ومثال ذلك مفاعل بوشهر الإيراني الروسي الصنع.
المفاعلات النووية
تضمّ إيران 5 مفاعلات رئيسية تخضع لزيارات دورية من مفتشي الأمم المتحدة الذين ثبتوا فيها أجهزة مراقبة تعمل على مدار الساعة ومرتبطة بالأقمار الصناعية، وهذه المفاعلات هي:
مفاعل بوشهر
محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية، بدأ معها برنامج إيران النووي عام 1974 بمساعدة ألمانية، لكن بعد الثورة الإسلامية عام 1979 تم إلغاء المشروع، ولم يعد العمل به إلا عام 1992 حين وقّعت طهران اتفاقا مع روسيا لمعاودة العمل في محطة بوشهر، حيث يوجد مفاعلان للمياه.
مفاعل أصفهان
بنت إيران معملاً في أصفهان لتحويل اليورانيوم إلى 3 أشكال: غاز سادس فلوريد اليورانيوم المستخدم في أنشطة تخصيب اليورانيوم الجارية في مفاعل نطنز، وأكسيد اليورانيوم الذي يستخدم في معامل الوقود، ولكن ليس من النوع الذي تستخدمه إيران، والمعدن الذي يستخدم غالبا في أساس المتفجرات النووية.
مفاعل نطنز
أقامت إيران منشأة لتغذية اليورانيوم باستخدام طريقة الطرد المركزي وطريقة الفصل الليزري في موقع نطنز على بُعد 260 كيلومترا جنوب طهران.
وجاء في تقرير مسرب للوكالة الدولية عام 2003، أنه عثر على يورانيوم من الدرجة المطلوبة للأسلحة في عينات أخذت من الموقع، مع أن إيران ألقت باللوم على مواد مستوردة ملوثة، وأكد تقرير مستقل فيما بعد ما قالته طهران.
وعلقت إيران العمل على مفاعل لتخصيب اليورانيوم في نطنز عام 2003، لكنها أعادت العمل به لاحقا. وذهبت التقديرات عام 2006 إلى أن مفاعل نطنز -الذي يقع جزء كبير منه تحت الأرض- قد يضم حوالي 50 ألفا من أنابيب نقل الغاز المتطورة، مما يسمح له بإنتاج ما يكفي من اليورانيوم لتطوير ما يزيد على 20 رأساً نووياً كل عام.
وقالت تقديرات أخرى في الفترة نفسها إن المفاعل يمكن أن تكون فيه 5 آلاف أنبوب للنقل بعد إتمام المراحل الأولية من المشروع، وهو الرقم الذي يمكّن إيران من إنتاج ما يكفيها من اليورانيوم لإنتاج قليل من الأسلحة النووية كل عام إذا شرعت في ذلك، خاصة بعد إجرائها أبحاثا على أجهزة الطرد المركزي (B2) الأكثر تطورا وفعالية من أجهزة (B1) التي كانت تستخدمها.
وبعد ذلك بسنوات، اختبرت طهران في عام 2014 أجهزة طرد من جيل جديد (IR-8) تتيح لها التخصيب بسرعات عالية جدا مقارنة بالأجهزة التي كانت موجودة.
مفاعل أراك
باشرت إيران منذ عام 1996 بناء منشأة لإنتاج الماء الثقيل في مدينة أراك (وسط إيران)، وقد أعلنت طهران رسميا بدء إنتاجه في 28 آب 2006 بعد أن كشفت المعارضة الإيرانية النقاب عن هذه المنشأة للمرة الأولى عام 2002، كما نُشرت صور لها التقطتها مؤسسة العلم والأمن الدولي الأميركية -التي تتابع برنامج إيران النووي- في كانون الأول 2002.
وقالت إيران إن المصنع سينتج 17 طناً سنوياً من الماء الثقيل بدرجة نقاء 15% و80 طنا بدرجة نقاء تقترب من 80%. وبهذا تكون إيران -حسب آراء خبراء نوويين- قد حققت إنجازا في سبيل تحقيق الاستقلالية في دورة الوقود النووي، إذ يمكن للوقود الناتج من مفاعل الماء الثقيل إنتاج 10 كيلوغرامات من البلوتونيوم سنويا، وهو ما يكفي لصنع قنبلتين نوويتين على الأقل.
وفي عام 2004، بدأت إيران إنشاء مفاعل من تصميمها بقدرة 40 ميغاواتا بالقرب من منشأة أراك لإنتاج الماء الثقيل، ويعتمد المفاعل في تشغيله على الماء الثقيل واليورانيوم الطبيعي المتوفر في إيران، دون الحاجة لتخصيب اليورانيوم الذي تطالب الدول الكبرى طهران بوقف عمليات إنتاجه.
مفاعل فوردو
تستخدم إيران منشأة فوردو -المقامة في مكان تحت الأرض بمنطقة جبلية حصينة جنوب العاصمة طهران، والتي اعترفت بوجودها للوكالة الدولية للطاقة الذرية في أيلول 2009 بعدما اكتشفتها أجهزة مخابرات غربية- لتخصيب اليورانيوم حتى درجة نقاء انشطارية نسبتها 20%، ليكون وقودا لمفاعل أبحاث طبي في طهران ينتج النظائر المشعة لعلاج مرضى السرطان.
وعلقت طهران نشاط منشأة فوردو في كانون الثاني 2014 بموجب اتفاق نووي مؤقت أبرمته مع القوى الكبرى في جنيف في تشرين الثاني 2013، لكنها في وقت لاحق أعادت العمل فيها.
تأمين المنشآت
تؤكد أجهزة الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية أن إيران أقامت العديد من المنشآت النووية المحصنة بشكل محكم جدا في باطن الأرض وفي مناطق متباعدة وبشكل مضلل، مما يجعل من المستحيل على سلاح الجو الإسرائيلي أو الأميركي ضرب جميع هذه المنشآت النووية.
كذلك، فإن هناك صعوبة في حصول هذه الأجهزة الاستخبارية على معلومات دقيقة حول المنشآت ذات الثقل الرئيسي في هذا البرنامج النووي، والتي يكفي ضربها لوقف عملية الإنتاج برمتها، إضافة إلى أن هذه المنشآت محاطة بدفاعات جوية قوية تتألف من مضادات للطائرات وبطاريات صواريخ أرض/جو مضادة للطائرات أيضا، كما تخضع لحماية مشددة من الحرس الثوري الإيراني. (الجزيرة – bbc)