في خضم التنافس الأميركي.. هل تؤتي مقامرة الصين في الشرق الأوسط ثمارها؟

23 يونيو 2024
في خضم التنافس الأميركي.. هل تؤتي مقامرة الصين في الشرق الأوسط ثمارها؟

ذكرت صحيفة “South China Morning Post” الصينية أن “مشاركة الصين في الشرق الأوسط تزايدت خلال العقد الماضي، خاصة في أعقاب الربيع العربي ووسط انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة. تقليديا، عملت بكين على تطوير علاقات متوازنة مع كافة الأطراف مع تجنب الصراعات العديدة في المنطقة. ولكن مع تعزيز مكانة الصين العالمية، تبنت نهجا أكثر استباقية، ووضعت نفسها كبديل محتمل للولايات المتحدة”.

 

وبحسب الصحيفة، “في الوقت نفسه، بدأت المنافسة بين القوى العظمى تمتد إلى المنطقة. ومع زيادة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الضغط على الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، استجابت بكين بأن أصبحت أكثر نشاطا في الشرق الأوسط. وقد تجلت هذه الديناميكية بشكل خاص منذ اندلاع حرب غزة في السابع من تشرين الأول الماضي. وقد أدت مبادرة الحزام والطريق، التي تم إطلاقها في عام 2013، إلى زيادة مشاركة الصين الإقليمية بشكل كبير، مما جعل بكين المستثمر الأجنبي الرئيسي في الشرق الأوسط منذ عام 2016. في البداية، ركزت الصين على قطاع الطاقة، ثم وسعت مشاركتها لتشمل مشاريع البنية التحتية، ومبادرات المدن الذكية، ومراكز الابتكار وشبكات الجيل الخامس للهاتف المحمول، ليس فقط في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ولكن أيضًا في قطر وإيران وإسرائيل”.

 

وتابعت الصحيفة، “لقد تحول زعماء الشرق الأوسط، الذين يشعرون بخيبة أمل متزايدة إزاء السياسات الأميركية، كغزو العراق عام 2003، والربيع العربي، والانسحاب من أفغانستان، والاتفاقية النووية الإيرانية المتوقفة، وحرب غزة، إلى الصين باعتبارها شريكاً أكثر جدارة بالثقة في مشاريع البنية الأساسية والتكنولوجيا، إن لم يكن في الحماية العسكرية. وبالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي على وجه الخصوص، أصبحت العلاقة مع الصين الآن ذات أهمية استراتيجية، ويمكن ملاحظة ذلك في تجارة الصين مع الكتلة المكونة من ستة أعضاء، والتي ارتفعت من 10 مليارات دولار أميركي في عام 2000 إلى 230 مليار دولار أميركي في عام 2021. وتعد قدرة الصين على توفير البنية التحتية والتكنولوجيا والتجارة دون مطالب سياسية أو احترام لحقوق الإنسان جذابة بشكل خاص”.

 

وأضافت الصحيفة، “علاوة على ذلك، في السنوات الأخيرة، كانت براعة الصين التكنولوجية المتزايدة واضحة في كل أنحاء المنطقة، وخاصة في الخليج. وتتوافق دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، على وجه الخصوص، مع التقدم التكنولوجي الذي تحققه الصين من خلال “طريق الحرير الرقمي”، وتطمحان إلى أن تصبحا قادة عالميين في مجال التكنولوجيا والابتكار. كما طورت الصين شراكة مع إسرائيل، الحليف الرئيسي الآخر للولايات المتحدة، ووصلت التجارة الثنائية إلى مستوى قياسي بلغ 21 مليار دولار أميركي في عام 2022، وانخرطت الشركات الصينية في حوالي 500 صفقة استثمارية مع إسرائيل على مدى العقد الماضي، معظمها في قطاع التكنولوجيا”.

 

وبحسب الصحيفة، “لكن تطور التصورات الأميركية تجاه الصين دفع واشنطن إلى الضغط على إسرائيل للحد من تفاعلاتها. ورداً على ذلك، أنشأت إسرائيل لجنة استشارية للاستثمارات الأجنبية ورفضت عرضاً صينياً لمشروع بنية تحتية للأمن. وخارج المجال الاقتصادي، يبدو أن إعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين إيران والمملكة العربية السعودية في بكين في آذار من العام الماضي كانت بمثابة علامة بارزة في موقف الصين المتوسع في المنطقة. وقد أدى هذا التطور، إلى جانب حرب غزة، إلى إحياء المناقشات حول نفوذ الصين ودورها السياسي المتنامي في الشرق الأوسط”.

 

وتابعت الصحيفة، “على الرغم من الجهود التي بذلتها الصين لوضع نفسها كوسيط إقليمي، فإن ردها الأولي على هجوم حماس كان صامتا. وامتنعت بكين عن إدانة حماس بشكل مباشر بسبب الفظائع التي ارتكبتها، مما أدى إلى خيبة الأمل والغضب في إسرائيل. ومع تقدم الصراع، تبنت بكين نهجا أحادي الجانب بشكل متزايد، ينتقد إسرائيل والولايات المتحدة. وبالنسبة للصين، فإن الصراع لا يتعلق بالفلسطينيين أو الإسرائيليين بقدر ما يتعلق بمكانتها في المنطقة، ومصالحها تجاه الدول العربية وإيران، وموقفها من الولايات المتحدة. وتهدف بكين إلى تشويه سمعة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والعالم النامي”.

 

ورأت الصحيفة أن “الإستراتيجية التي تبنتها الصين طوال حرب غزة كانت تتمثل في التوافق مع مصالح العالم العربي في حين تميز نفسها عن الولايات المتحدة. وقد زادت من نشاطها الدبلوماسي للتوافق مع اللاعبين الإقليميين مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر ودول الجنوب العالمي ودول البريكس الأخرى. وفي الواقع، فإن ترسيخ نفسها كزعيم للجنوب العالمي بين القوى الخمس التي تتمتع بحق النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هو هدف آخر، وقد ظهر هذا بوضوح مؤخراً عندما زار كبار المسؤولين العرب بكين لحضور منتدى التعاون بين الصين والدول العربية”.

 

وتابعت الصحيفة، “بالنسبة لإسرائيل، تخلق هذه الديناميكية تحديًا جديدًا لأنها ستحتاج إلى إدارة علاقة أكثر تعقيدًا مع الصين، ليس فقط في تل أبيب ولكن أيضًا بشكل متزايد في أبو ظبي والرياض.بعد ثمانية أشهر من بدء الحرب في غزة، يعكس تحول الصين الواضح والمدروس نحو موقف أكثر حزماً مؤيداً للفلسطينيين ومعادياً لأميركا وإسرائيل أولوياتها المتطورة ومصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط، حيث أصبحت إسرائيل أقل أهمية. ومن المرجح أن يشعر سكان بكين بالسعادة إزاء نتائج النهج الذي اتبعته الصين حتى الآن. لكن لا شيء واضحا حتى اللحظة”.

 

وأضافت الصحيفة، “رغم أن المناورات الاستراتيجية التي قامت بها الصين في الشرق الأوسط منذ اندلاع الحرب في غزة اكتسبت الدعم الشعبي وتحدت النفوذ الأميركي في المنطقة، فإن تأثيرها في الأمد البعيد يظل غير مؤكد. وتشير الديناميكيات المعقدة في المنطقة والقوة السياسية والعسكرية التي تتمتع بها الولايات المتحدة إلى أنه على الرغم من نمو قوة الصين الاقتصادية، فإن نفوذها السياسي قد يظل محدودا. ومع ذلك، ونظراً لوجودها المتنامي، فإن نفوذ الصين الاقتصادي قد يكون كافياً لتحقيق أهدافها الاستراتيجية على حساب الولايات المتحدة، وبأقل التكاليف”.

 

وختمت الصحيفة، “مع تطور المشهد الجيوسياسي وتزايد أهمية الشرق الأوسط على مستوى العالم، فإن التفاعل بين الطموحات الصينية والاستجابات الأميركية سوف يستمر في تشكيل المنطقة ومحيطها”.