منذ تنفيذ المقاومة الفلسطينية هجوم السابع من تشرين الأول الماضي على المواقع العسكرية الإسرائيلية والمستوطنات في “غلاف غزة”، عمدت الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة، خصوصاً حركتي حماس والجهاد الإسلامي، إلى تطوير أساليبها القتالية، عبر الكمائن المركبة وحرب العصابات، للتصدي للغزو البري.
وعادة ما كانت المقاومة الفلسطينية تُقسم عملها في القطاع إلى ألوية قتالية، بحيث يوجد في كل منطقة لواء قتالي تندرج في إطاره عدة كتائب وسرايا ومجموعات قتالية تحمل اسم “الزُّمر”. غير أنها منذ بداية العملية البرية في 27 تشرين الأول الماضي أخذت المقاومة، وتحديداً كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، تغيّر من أساليب التعامل مع القوات البرية للاحتلال.
ولم تعتمد المقاومة في عملها على الحشد البشري الكبير في عمليات التصدي، بقدر الاعتماد على الكثافة النارية ونصب الكمائن المركبة في أماكن التجمعات التي كان الاحتلال الإسرائيلي يوجد بها. وشكلت الكمائن المركبة أسلوباً ناجعاً بالنسبة إلى الأذرع العسكرية في غزة لتوجيه ضربات قاتلة لجنود الاحتلال الإسرائيلي وألويته المقاتلة، وهو ما أدى إلى مقتل المئات وإصابة الآلاف منذ بداية الحرب المتواصلة للشهر التاسع على التوالي.
وتنوع شكل العمليات التي تنفذها المقاومة في المرحلة الأولى للحرب على غزة، ما بين عمليات القنص في المناطق التي طاولها التوغل البري والاستهداف المباشر بمضادات الدروع وقذائف “الياسين” والقصف بقذائف الهاون. وفي المرحلة الثانية كانت المقاومة تميل إلى أساليب استنزاف الجنود الإسرائيليين عبر الكمائن المركبة المفخخة والعمليات التي تميل نحو تنفيذ عدة ضربات في ذات الكمين لإيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر.
وكانت المقاومة تستخدم العبوات الناسفة شديدة الانفجار مثل “شواظ” و”العمل الفدائي”، بالإضافة إلى صواريخ إسرائيلية لم تنفجر، فضلاً عن الأنفاق المفخخة وتفخيخ المنازل في المناطق التي توجد فيها قوات عملياتية إسرائيلية.
مع هذا، فقد شهدت المرحلة الثانية من الحرب على غزة استخدام المقاومة الفلسطينية، وكتائب القسام خصوصاً، أسلوب حرب العصابات الذي يستند إلى التجربة الفيتنامية في المعارك بعيداً عن التنظيم الهرمي.
واعتبر هذا الأسلوب من أكثر الأساليب القتالية صعوبة بالنسبة إلى الجيوش النظامية، مثل الاحتلال الإسرائيلي، نظراً لمواجهة “زُمر” قتالية ذات أعداد قليلة للغاية، مجهزة مسبقاً بوسائل قتالية دفاعية وكمائن معدة مسبقاً.
ووفق البيانات التي أعلنها جيش الاحتلال لقتلاه منذ السابع من تشرين الأول الماضي، فإن نحو 672 جندياً إسرائيلياً قتلوا في المعارك مع المقاومة، فيما أصيب أكثر من أربعة آلاف بجراح متفاوتة، في الوقت الذي أظهرت فيه بيانات وزارة الأمن أن نحو 20 ألف جندي إسرائيلي يجري التعامل معهم على أنهم من أصحاب الإعاقات من أصل 70 ألف شخص مسجلين لديها.
وأظهرت الكثير من المشاهد واللقطات التي بثتها المقاومة الفلسطينية طوال تسعة أشهر من العدوان أسلوب عمل “الزُّمر القتالية”، من خلال العدد المحدود، الذي يراوح بين ثلاثة وخمسة أفراد، في العملية الواحدة من أجل تقليل حجم الخسائر البشرية في صفوفها.
تركيز على الكمائن المركبة
وبرأي الخبير في الشأن العسكري أكرم خريف، فإن المقاومة في قطاع غزة تستخدم أسلوب حرب العصابات منذ البداية، لكن مع تطور الأوضاع أصبح هناك تغيير تكتيكي مبني على أقل مواجهة لكن بقوة أكبر.
ولفت خريف، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن المقاتلين كانوا، في بداية الحرب، يتصدون مباشرة لتوغلات الجيش الإسرائيلي، في حين أصبح التركيز اليوم منصباً على الكمائن المركبة والترصد لتجمعات العدو وضربها.
وبحسب الخبير العسكري، فقد تحولت المواجهة، عبر استدراج قوات المشاة إلى كمائن مركبة ومن ثم مواجهتها، موضحاً أنه خلال الفترة الأخيرة باتت المقاومة الفلسطينية تتابع وتترصد أماكن القيادة والراحة لكي تستهدف من فيها.
ولفت خريف إلى أن هذا الأسلوب المتبع من الأذرع العسكرية للمقاومة يرهق العدو ويمنعه من الراحة والتراجع نحو الخلف، ويؤثر في المجتمع الإسرائيلي الذي يرى الآن في الاجتياح مغامرة خطيرة على أولاده.
ووفق الخبير العسكري، فإنّ حرب العصابات، من الناحية العملياتية، تعطي صورة للقوة الكبيرة بأنها لا يمكنها الانتصار، وأن جنودها معرضون للخطر، وأن المجهود الذي يجب بذله من أجل أهداف بسيطة أصبح كبيراً.
ورأى أنه في حرب العصابات، يلعب عامل الوقت في صالح المقاومة الفلسطينية، لكون الاحتلال الإسرائيلي في مأزق، ويظهر بين فترة وأخرى أنه فقد السيطرة على الوضع.
هدف المقاومة من حرب العصابات
من جانبه، قال مدير مركز عروبة للأبحاث والدراسات الاستراتيجية أحمد الطناني إن المقاومة الفلسطينية تلجأ إلى الكمائن المركبة وأسلوب حرب العصابات لتجنب حالة الاستنزاف، على اعتبار أن المرحلة الثالثة من الحرب تستهدف استنزافها.
وأوضح الطناني، لـ”العربي الجديد”، أن الاحتلال يبحث في المرحلة الثالثة من الحرب عن أقل استنزاف ممكن لقواته وآلياته في قطاع غزة، في حين أن المقاومة، بهذه الطريقة، ترفع من كلفة أي اقتحام، عبر استدراج الجنود إلى المنازل والأنفاق المفخخة.
وأشار إلى أن المقاومة تعمل بأسلوب مغاير، فهي لا تتعامل بمنطق الجيش، بل حرب العصابات، عبر تشكيلات صغيرة في أماكن تتوقع أنها تشكل خطوط تحرك للاحتلال من خلال العُقد القتالية المنتشرة.
وأوضح أن “الزُّمر” القتالية، المكونة من ثلاثة إلى خمسة أفراد، تكون على درجة عالية من الكفاءة، بين الهندسة والقنص وسلاح الدروع، ما يمكّنها من المناورة وتوجيه الضربات للقوات المهاجمة مع أقل خسائر ممكنة في صفوف المقاومة.
وشدد الطناني على أن لجوء المقاومة إلى هذا التكتيك العسكري جاء لتجنب الاستنزاف وخسارة أعداد كبيرة من المقاتلين، بالإضافة إلى تجنب استهداف عدد كبير من المقاتلين في حال اكتشاف الكمين، مُعرباً عن اعتقاده أن المقاومة من خلال هذا الأسلوب العسكري توجّه رسائل ميدانية تستهدف الضغط على الحالة النفسية للجنود الإسرائيليين والمستوطنين والحكومة الإسرائيلية بما يخدمها خلال عمليات التفاوض.
كذلك، رأى أن المقاومة تضع هدفاً أساسياً في المرحلة الثالثة من الحرب، وهو قلب المعادلة من استنزاف لها لتصبح استنزافاً لجيش الاحتلال، من خلال وضع التكتيكات القتالية المناسبة لمواجهة الجيش الإسرائيلي من خلال إيقاع أكبر عدد ممكن من القتلى في صفوفه. (العربي الجديد)