لم يستسلم جبران، لا بل وجد في الحريق دافعاً ومحفّزاً. في رسالة إلى صديقته الشاعرة جوزفين بيبَدي، يقول بتفاؤل: «صحيح يا حبيبتي أنّ سنوات الحب ضاعت في الحريق، إنما لا تحزني، قد يكون وراء ذلك أمر جميل مجهول». جمال تدفّق بخصب، فحمل جبران ريشته واندفع في صراعه مع الألوان، إلى درجة أنّ «عدد اللوحات التي رسمها تخطت الـ 700 لوحة، غالبيتها موجودة في متحفه في لبنان، وعددها 440 لوحة. من أصل اللوحات الموجودة في المتحف، عرض حتى الآن 170 فقط، ولا تزال هناك 270 لوحة غير معروضة» وفقاً لما يقول لنا مدير «متحف جبران» جوزف جعجع.
وبالعودة إلى المعرض المقام حالياً، يوضح جعجع أنّ اللوحات عبارة عن «بورتريهات لمشاهير التقاهم جبران وقصدوه في الاستديو الخاص به في نيويورك، ومنهم من أثّر في جبران وفي فنه وكتاباته. ومن أبرز هذه الشخصيات، عالم النفس السويسري الشهير كارل غوستاف يونغ، والشاعر والفيلسوف الهندي طاغور، الحائز جائزة «نوبل للآداب» عام 1913، وعبد البهاء، ابن مؤسس البهائية، الذي يُعدّ المثلَ الأعلى للدين البهائي وراعي شؤونه وناشره، وقد كان في زيارة لنيويورك لتعريف الناس بتعاليم الدين البهائي. ومن اللوحات أيضاً بورتريهات للشاعرة الأميركية ليونورا شباير، التي تم تزيين غلاف كتابها الحائز «جائزة بوليتزر» برسم لجبران وبورتريه للكاتبة الأميركية شارلوت تيلير وغيرهما. وقد رسمت هذه اللوحات أثناء مدة إقامة جبران في نيويورك بين عامَي 1912 و 1931، علماً أن أكثرية هذه اللوحات رُسمت بين عامَي 1912 و 1918، وبعضها أرّخ جبران تاريخ رسمها بنفسه».
بقاء هذه اللوحات غير معروضة طوال هذا الزمن، يعود إلى «عدم المعرفة بأصحابها. إلا أن أبحاثنا المستمرة دوماً، وتنظيم معرضين العام الماضي في نيويورك، الأول في مبنى الأمم المتحدة والثاني في معرض «دروينغ سنتر» في منهاتن، في مناسبة الذكرى المئوية لصدور كتاب «النبي»، كلها عوامل تضافرت وساعدتنا على اكتشاف هوية الأشخاص موضع البورتريهات» وفقاً لما يقول جعجع الذي يشير إلى عدم المعرفة بهوية عدد من الأشخاص الذين رسمهم جبران، فـ «نصف البورتريهات نجهل أصحابها حتى اللحظة، وضيق المساحة والحاجة إلى غرف وصالات إضافية، رغم امتداد متحف جبران على ثلاث طبقات، من الأسباب التي لم تسمح حتى اللحظة بالكشف عن لوحات جبران التي لم تُعرض بعد» وعددها كما أسلفنا 270 لوحة.