رعى وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى ممثلاً بالكاتب والإعلامي روني الفا الندوة الفكرية بعنوان “سليم حيدر الدولة والنظام ” في المكتبة الوطنية – الصنائع بدعوة من وزارة الثقافة.
وادار الندوة الكاتب والإعلامي روني الفا الذي القى كلمة الوزير المرتضى ومما جاء فيها: “سليم حيدر والنظام اللبناني. مقاربةُ قضية النظام اللبناني في فكر سليم حيدر، أو أيِّ فكرٍ سياسيٍّ آخر، يقتضيها طرحُ أسئلةٍ كثيرة تتوالدُ علاماتُ استفهامِها بلا انقطاع. لكن أول الأسئلة وأهمَّها ينبعُ من وجوب تحديد معنى المصطلح: ماذا نقصدُ بكلمةِ “نظام”، كي لا نقع في محذور الضبابية والتنابز بالمعاني الفضفاضة المتضاربة في أكثر الأحيان، كما يحصل معنا نحن اللبنانيين في مفرداتِنا الوطنية العليا، كالسيادة والاستقلال والعيش الواحد والمقاومة والحرية، وسوى ذلك من كلماتٍ يعسرُ أن نجدَ معيارًا واحدًا نلجأ إليه لتحديد معانيها السامية. ذلك أن بعضًا منا يفهم النظام على أنه الشكل الدستوري للدولة الذي على أساسه يتم توزيع سلطاتِها المركزية والمحلية. وبعضًا يفهم اللفظةَ على أنها السلطة بذاتِها يمارسُها القيمون على المواطنين، وآخَرينَ، ونحن منهم، ينظرون إلى النظام باعتباره الأساس الفكريَّ الذي عليه تقوم طبيعة العيش بين الجماعة اللبنانية، أو الجماعات إذا شئتم، تحقيقًا لمصالحِها الوطنية المشتركة، التي تنعكسُ في المحصلة، وبالضرورة، مصلحةً لكل فرد”.
أضاف: “هذا المعنى الأخير للنظام، هو الذي أحبُّ أن أتناولَه تناولًا سريعًا في هذه المداخلة، ليقيني أنه يتلاقى مع نظرة سليم حيدر إلى طبيعة النظام اللبناني، كيف ينبغي لها أن تكون. فهذا الوطن الذي شُيِّدَ كيانُه الحاليُّ بجغرافيتِه المعروفة، يرقى بتاريخه إلى قرون سحيقة، لكنَّ مشكلةَ حاضرِه أن أغلبيةَ أبنائه ما زالوا مقيمين في المتخيَّلِ التاريخيّ بإيجابياتِه وسلبياته على الأفراد والمجموعات، وهو تاريخٌ يحتملُ بطبيعتِه اختلافًا في القراءات، بحسبِ الحبر الذي كُتِبَ به. وإذا كانت مقتضيات الانتماء تفرضُ التعلق بالماضي كأساس للهوية، فإنما لا يجوز أن يصبح ما مضى سيد الحاضر والمستقبل، خصوصًا إذا استُثيرت في الذاكرة الفردية والجَمعية، أزماتُه ومشاكلُه الغابرة، ولو دمويةً، وأُسقِطت على معطياتِ هذا الزمان. المشكلةُ الفكرية التي تخترمُ نظامَنا الوطني تكمن إذن في هذا السؤال: كيف نحافظ على الماضي كأساس للهويات الخاصة، ونجعلُه جسرًا إلى مستقبل الهُوية الوطنية الجامعة؟ ولعلَّ الجوابَ البدَهيَّ على هذا السؤال هو حِفظُ التنوع. فما من شكٍّ في أن لبنان أريدَ له منذ إنشائه أن يتمتع بميزاتٍ ثلاث: أن يكون المسيحيون في مقدمة سلطاتِه، وأن يكون العيشُ المشترك فيه شاهدًا على الوحدةِ من ضمن التعدد، وأن يكون نطاقًا للحريات العامة وعلى رأسِها حريتا المعتقَدِ والتعبير”.
وتابع: “أما عن الدور المسيحي، فلنتذكَّر أن المسلمين اللبنانيين الذين عارضوا فكرة لبنان الكبير في الربع الأول من القرن العشرين، سرعانَ ما أدركوا أن هذا الوطن منجاةٌ لهم من الذوبان في المحيط الكبير الذي ينتمون إليه بكلِّ فخرٍ واعتزاز. ولهذا كانوا هم أول من أطلق شعار: لبنان وطن نهائيٌّ لأبنائه. هذا قاله الإمام المغيّب السيد موسى الصدر. والمسلمون اللبنانيون اليوم، واعتبروا هذا من باب الأثَرةِ وحبِّ الذات، أشدُّ الناسِ تعلقًا بلبنان، وبالدور المسيحي المتقدم فيه، تأسيسًا واستمرارًا، لأن غياب هذا الدور سيؤدي حتمًا إلى غياب الضرورةِ اللبنانية التي وجد المسلمون لهم فيها دورًا وحضورًا. ومن هنا نفهم تشدّدهم في الدفاع عن حدود الوطن وحقوقه، وفي مقاومة الاحتلالات والاعتداءات الصهيونية الغاشمة، وإصرارَهم على حفظ عيش المعية بجانب سائر إخوتِهم في البلد، ورفضَهم لكل دعواتِ التباعد والانفصال، مهما كانت عناوينُها براقةً. أما الشهادة على العيش الواحد فتفترضُ لدى الجميع سعيًا إلى تقبْل الآخر ومحبتِه واحتضانِه وطمأنتِه، والنأي عن كلِّ خطابٍ أو توصيف يجرحُ التلاقي، خصوصًا في زمن الصعاب. وأما الحريةُ فهي كنه لبنان وسرُّ ديمومتِه، وهي التي تحت لواء الدستور والقوانين، تحفظُ التنوُّعَ وتحميه وتعزِّزُ الوحدةَ وتصونُها”.
وقال: “الميثاق الوطني الذي طوّره اتفاق الطائف قام كما تعرفون على سلبيتين قال فيهما الراحل جورج نقاش: سلبيتان لا تصنعانِ وطنًا. إن مسار التاريخ اللبناني على امتداد القرن الأول من عمر الوطن أثبت أن هذه المقولةَ، على صحتِها، قابلةٌ لأن تجعل لنا وطنًا جميلًا، إذا تجاوزنا الفعل السلبيَّ إلى فعلِ اللقاء الإيجابي. أما إذا استمرَّ كلُّ شيءٍ فينا مطبوعًا بالسلبية بشكلٍ جوهري، فعلى وجودنا السلام. ونحن يا أحبةُ عندما نرسي دولتَنا على هذه الأسس الفكرية التي ذكرت، فلا فرقَ ساعتذاك في كيف يكون شكل الدولة الدستوري، وكيف توزَّعُ سلطاتُها وإداراتُها ومناصبُها”.
وختم: “في الختام، علينا جميعًا أن نتذكر أن الدولةَ آلةٌ إداريةٌ وليست داعية أيٍّ من المعتقدات والسلام”.