شهد لبنان في السنوات الأخيرة تحولات كبيرة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، مما دفع العديد من العائلات اللبنانية إلى الهجرة بحثاً عن استقرار اقتصادي أفضل. كانت دول الخليج العربي الوجهة الرئيسية لهذه الهجرة، حيث وجد الكثيرون فرص عمل تضمن لهم دخلاً مستقراً. إلا أنّه وفي مشهد مغاير للتوقعات بدأ العديد من العائلات اللبنانية في العودة إلى الوطن، إذ إن هذا التحول لا يعكس فقط الإيمان بجودة النظام التعليمي اللبناني، بل يحمل في طياته رسائل أعمق تتعلق بالهوية والانتماء والمستقبل.
فعند التعمق بكلام بعض الأهالي، يظهر بوضوح أن المسألة لا تتوقف فقط على قضية التعليم، إنّما أغلب القرارات المتخذة في هذا السياق هي قرارات عاطفية، فيقول جهاد، وهو مهندس يعمل في إحدى الدول الخليجية أنّه بعد انفجار 4 آب بحوالى الشهر قرّر أن يأتي بزوجته وأطفاله إلى مكان إقامته خوفا من تطور الاوضاع، ويؤكّد جهاد لـ”لبنان24″ أن قراره هذا سلكه مئات من الرجال الذين قرروا سحب عائلاتهم إلى أماكن إقامتهم في دول الخليج.
يضيف جهاد أنه بعد سنتين فقط، قرر إعادة عائلته إلى لبنان، خاصة وأن أطفاله لا يزالون في أوائل مراحلهم الدراسية.. يؤكّد جهاد أن قرار العودة انقسم إلى شقين. الشق الأول يتعلق بقرار عاطفي يعبّر عن الانتماء الحقيقي لجذورهم، أضف إلى التعلم داخل بيئة تقدّر عادات وقيم اللبنانيين. أما الشق الثاني فهو قرار يتعلق بإعادة اندماج الأولاد في النظام التعليمي اللبناني الذي يعتبر من أهم أنظمة التعليم على مستوى المنطقة خاصة على صعيد طريقة تنشئة الطالب، بالاضافة إلى الانفتاح والجودة التي يقدمها معلمو لبنان.
ورغم التحديات الاقتصادية والامنية والإجتماعية التي يواجهها لبنان، تمكن النظام التعليمي من تخطي العوائق، وبقي صامدا، وهذا ما يعكس الإصرار الواضح من قبل الكوادر التربوية على إنقاذ الأعوام الدراسية، على الرغم من الشوائب التي تم رصدها، إلا أن ذلك لا يعني أبدًا سقوط النظام التعليمي اللبناني.
من هنا يؤكّد الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب يوسف نصر لـ”لبنان24″ أن مجموعة كبيرة من العائلات اللبنانية غادرت البلاد إبّان الأزمة الإقتصادية، إلا أن هذه العائلات بدأت بالعودة من جديد إلى لبنان، إذ لم يتوان عدد كبير من الأهالي من إعادة تسجيل أبنائهم في المدارس اللبنانية، مشيرًا إلى أن المدارس شهدت خلال هذه الفترة عودة عائلات مهاجرة إلى لبنان والهدف الاساسي يتجلى بإعادة تسجيل أولادهم لتلقينهم المنهج التعليمي اللبناني.
ويؤكّد نصر أن القطاع بدأ اليوم يستعيد عافيته تدريجيا، إلا أن ذلك لا يعني أن القطاع التعليمي تخطى الازمات كافة، حيث أن المشكلات والعقبات لا تزال تحاوطه، إنّما وفي ظل هذه المشكلات فإن النظام التعليمي اللبناني برهن عن مناعة ولا يزال مستمرا بإكمال رسالته التعليمية التي شجّعت الناس على العودة من الخارج إلى لبنان.
وعلى صعيد العام الدراسي الجديد، يشير نصر إلى أن خلال 4 سنوات الماضية واجهنا مشكلات واضحة على صعيد تعافي النظام التعليمي، والمدارس تحاول بقدر المستطاع أن تعافي نفسها وتتفوق على هذه الأزمات، وهذا ما ساهم فعليا في إنهاء الأعوام المتتالية على خير، خاصة هذا العام على صعيد إنجاز الإمتحانات الرسمية.
ويشير نصر إلى أن هذا الأمر يدفعنا للقول أن العام الدراسي الجيد الذي انتهى بشكل طبيعي سيهيئ لعام دراسي من المتوقع أيضا أن يكون من الاعوام الهادئة.
وتطرق إلى العائق الأساسي في عملية بدء العام الدراسي ألا وهو العائق الإقتصادي، إذ أشار إلى أنّه من حق نقابة المعلمين أن تطالب بحقوق المعلمين خاصة وأنّ رواتب المعلمين وصلت إلى 20 و40 دولارا، وسلسلة الرتب والرواتب هي نفسها، ووحدة التشريع لا تزال على حالها بين الرسمي والخاص، وهذا ما دفعنا خلال العام الفائت إلى الذهاب نحو صندوق الدعم، والذي يعتبر من الصناديق التدريجية، حيث وصلنا اليوم إلى 30% دعم للأساتذة، وبنتيجة الحوار مع نقابة المعلمين هناك اتفاق اليوم على تحسين الأوضاع أكثر فأكثر خلال العام المقبل إذ من الممكن أن نصل إلى متوسط 60%، إنّما هذا المتوسط لن تكون المدارس ملزمة به، إذ تعود نسبة المتوسط إلى حسب بيئة المدرسة، فمن الممكن أن يكون المتوسط في مدرسة معينة 40% وفي أخرى 80%، وهذا الامر ،بحسب نصر، سيؤدي إلى نسبة زيادة متفاوتة على الأقساط وصندوق الدعم.
وعليه، فإن النظام التعليمي على ما يبدو بدأ بالتعافي ولو لم يصل بعد إلى صفر مشاكل، إلا أن الارقام الإيجابية لعودة العائلات المهاجرة تعطي اندفاعة تجاه السنة المقبلة، ومن هنا، فقد أكّد مصدر تربوي لـ”لبنان24″ أن العودة العكسية للعائلات هذا العام لم تشمل فقط الطلاب، إنّما شملت أيضا المعلمات والأساتذة الذين قرروا العودة وعدم تجديد عقودهم في الدول العربية.