في 11 شباط 1945، عقد مؤتمر دولي بين موسكو ولندن وواشنطن في يالطا لتنظيم حالة السلم بعد الحرب. وشمل ذلك تقسيم ألمانيا وتقاسم النفوذ في اوروبا والعالم، في 1 مارس/آذار 1945، خاطب فرانكلين روزفلت الكونغرس بتفاؤل كبير حول ما تحقق في يالطا، قائلاً: “لقد أتيت من شبه جزيرة القرم بإيمان راسخ أننا قد بدأنا الخطوة الأولى في الطريق المؤدي إلى عالمٍ يسوده السلام”.
أما اليوم وفي خضم ما يجري على مستوى الصراعات الكبرى والازمات في اوكرانيا والشرق الأوسط، يستذكر المراقبون مبادرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في العام 2020 لعقد قمة لرؤساء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، والتي عبّر عنها في منتدى الهولوكوست في إسرائيل في الـ 23 من كانون الثاني. وفي ذلك الحين لم تلق المبادرة دعما سوى من فرنسا والصين والأمم المتحدة نفسها. فالولايات المتحدة انتهجت سياسة عسكرية متشددة منذ العام 2021 مع انتخاب الرئيس جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة.
اليوم ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية، وترجيح مسؤولين أميركيين كبار فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، وفي ظل الحديث عن أهمية عملية السلام، يعتبر السفير الروسي السابق في لبنان ألكسندر زاسيبكين أن احياءها يتم في إطار يالطا جديدة وليس في الظروف الراهنة.
لم تستكمل بعد عملية الانتقال إلى نظام عالمي جديد وهذا يعني، وفق قراءة زاسيبكين، أن القضايا الرئيسية المطروحة اليوم تبقى دون حل أو في حالة الجمود، فالمعسكر الغربي يحاول فرض إرادته على خصومه لكنه لم ينجح، فالدول التي لا تقبل نظام قطب واحد يزداد عددها وتعتبر ان نظاما متعدد الاقطاب طريق إجباري نحو مستقبل آمن واكثر عدالة للبشرية. وفي هذه الظروف أصبحت الولايات المتحدة تعترف بزيادة المنافسة على الصعيد العالمي بين الأقطاب الأساسية وهذا يتطلب تغيير النهج السياسي والاقتصادي بمعنى التخلص من مشروع الهيمنة وزرع الفتن تحت تغطية نشر الديمقراطية ويعتبر ترامب رمزا لهذا التوجه الجديد . فهل يتجسد ذلك فعلاً في اتفاقات بخصوص توفير الأمن وحل النزاعات؟ ام يقتصر على جولة جديدة من سباق التسلح اللا محدود ؟
يبقى هذا السؤال مشروعاً بانتظار ان يتضح المشهد الدولي والعالمي والاقليمي، علماً أن حل النزاع على الساحة الأوكرانية قد يلعب، بحسب زاسيبكين، دوراً أساسياً لتحويل الأوضاع العالمية نحو تنقية الأجواء واحترام حقوق الشعوب.
تسعى روسيا إلى التوافق الدولي الخاص بنظام عالمي جديد في أسرع وقت ممكن وبأقل الأضرار. وفي هذا الصدد قدمت موسكو اقتراحات عديدة تتعلق بالنزاع على الساحة الأوكرانية وبشكل واسع بالأمن في المنطقة الأورو-الأطلسية وإذا حصل الاختراق نحو الحل لهذه العقدة، فذلك سوف يشجع الوصول إلى التسويات للمشاكل الاخرى. ويجب الاشارة، بحسب زاسيبكين، إلى أن المعسكر الغربي سوف يكون مضطرًا لقبول المطالب الروسية لأنها متجاوبة ومواقف عدد كبير من الدول وبما في ذلك مصالح حقيقية للدول الغربية وشعوبها ولا بد من إجراء التحول الجوهري في العالم نحو استعادة توازن القوى والمصالح وتأمين الحقوق المتساوية.
لكي تتحقق هذه الأهداف، فمن المطلوب، كما يقول زاسيبكين، تغيير سياسة الدول الغربية وقبل كل شيء الولايات المتحدة تجاوبا مع اقتراحات روسيا. وإذا حصل ذلك فإن طريق المفاوضات سوف يُفتح ويشمل كافة القضايا الاساسية بما في ذلك النزاع العربي الإسرائيلي الذي لا يمكن إيجاد حل له إلا عن طريق تشغيل عملية السلام المبنية على قرارات الأمم المتحدة وأي شيء آخر لن يؤدي إلى السلام العادل والدائم وتتكرر السيناريوهات الدموية المأسوية ولذلك تدعو روسيا اليوم، وفق زاسيبكين، إلى اتخاذ اجراءات ملحة لوقف سفك الدماء ومعالجة الأوضاع الإنسانية اخذاً بالاعتبار حتمية التفاوض الجدي وفقا للشرعية الدولية.
ويقول سفير روسيا السابق في لبنان: يحقق الشعب الروسي انتصارات ليس فقط في الجبهة بل في الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا داخل البلاد وهذا في ظروف صعبة للغاية، وسر النجاح يكمن في المعنويات العالية والاعتراف بأهمية المهمة لمصلحة البشرية كلها وفي نفس الوقت بتطور تعاون روسيا مع أكثرية دول اسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية وفي الشرق الأوسط تلعب روسيا دوراً مهماً في المجالات كافة وخاصة مكافحة الإرهاب في سوريا وتأييد ودعم القضية الفلسطينية.