عادت قضية الجولان السوري المحتل إلى الواجهة مُجدداً، وذلك بعدَ الهجوم الذي ضرب بلدة مجدل شمس في المنطقة السورية المذكورة.
ومنذ 8 تشرين الأول الماضي، تاريخ بدء الاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل توازياً مع حرب غزة، دخل الجولان المحتل حلبة الصراع، إذ استهدفت صواريخ الحزب مقرات إسرائيلية هناك.
فما هي قصة الجولان؟ وماذا تكشف المعلومات عنه؟
بؤرة صراع تاريخية
تقع هضبة الجولان في أقصى جنوب غرب سوريا، وتُقدر مساحتها بـ 1860 كيلومتراً مربعاً، ويبلغ أقصى ارتفاعاتها في جبل الشيخ 2814 متراً، بينما تعد منطقة البطيحة أخفض نقطة عن سطح البحر (200 متر). ولموقع الجولان الجغرافي أهمية كبيرة جعلت منه مسرحاً لصراع دائم.
وإلى جانب مناخها المعتدل والمتنوع وخصوبة أرضها ومناسبتها لزراعة أجود أنواع التفاح والكرز، شكّلت هضبة الجولان عبر تاريخها نقطة تلاقي العديد من الحضارات والثقافات.
وبحسب كتاب “تاريخ الجولان المفصل” للباحث الفلسطيني تيسير خلف، استوطن الإنسان منطقة الجولان منذ القدم، حيث استقر الآراميون والكنعانيون والعرب قبل آلاف السنين، وتُعد قبيلة الغساسنة المسيحية أول القبائل العربية التي انتقلت من شبه الجزيرة العربية إليها، وفي القرون الأربعة الأخيرة بدأت هجرات التركمان والشركس.
وتعود تسمية أماكن كثيرة في الجولان إلى الحضارات التي قطنت أرضه، مثل “مَجْدَل” والتي تعني البرج أو القلعة بالكنعانية، و”حرمون” وهي كلمة آرامية الأصل تُطلق على جبل الشيخ بمعنى المقدس، وكذلك “بقعاثا” ومعناها بالآرامية الأرض المنبسطة.
وتناوب على حكم الجولان إمبراطوريات عديدة، ففي عام 334 قبل الميلاد، انتصرت جيوش الإسكندر الأكبر على قوات الإمبراطورية الفارسية، لتصبح على إثرها بلاد الشام ومنها الجولان من توابع الإمبراطورية اليونانية. كما كانت المرتفعات محل نزاع أثناء الصراع الفاطمي العباسي، وخلال الحروب الصليبية احتلت منطقة الجولان أهمية كبيرة، وبعد القرن الـ14 الميلادي حظيت باهتمام العثمانيين.
وبعد الحرب العالمية الأولى أصبح الجولان جزءاً من مناطق الانتداب الفرنسي لسوريا، قبل أن ينتقل لاحقاً إلى سوريا المستقلة، وخلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948 قامت سوريا بتحصين القمة الغربية لمرتفعات الجولان التي تقع في وادي الحولة وبحيرة طبرية ووادي نهر الأردن الأعلى.
احتلال إسرائيل للجولان
تعود محاولات الاستيطان اليهودي في الجولان إلى نهاية القرن الـ19، إذ تشير موسوعة “بريتانيكا” البريطانية إلى أنه في عام 1894 اشترى المصرفي الفرنسي اليهودي إدموند دي روتشيلد قطعة أرض كبيرة في الجولان، لتسهيل عملية انتقال اليهود، ثم تبعته مجموعات أخرى من الولايات المتحدة وكندا وأوروبا، لكن تلك المحاولات باءت بالفشل بسبب عداء السكان العرب وقوانين الدولة العثمانية التي منعت الاستيطان لغير المواطنين.
وفي اليومين الأخيرين من حرب الأيام الستة عام 1967، وجّهت القوات الإسرائيلية بعد هزيمة مصر والأردن، اهتمامها صوب سوريا، حيث استطاعت بمساعدة الغطاء الجوي الذي وفرته طائراتها بناء طرق وصول إلى مرتفعات الجولان الشديدة الانحدار، ثم شنّت هجوماً باستخدام سلاح المدرعات والمشاة.
وتذكر بعض المصادر، ومن بينها كتاب “سقوط الجولان” للرائد السوري خليل مصطفى الذي كان قائد جهاز الاستطلاع في المرتفعات قبل حرب 1967، أن تلك الجبهة كانت محصنة بشكل يجعل من الصعب جداً اختراقها، لافتاً إلى أن الحكومة السورية أنفقت في ذلك الوقت وعلى مدى سنوات ملايين الدولارات لعمليات التحصين والاستعداد لأي هجمات.
ويخلص الكتاب إلى أن سوء إدارة المعركة من الطرف السوري في حرب حزيران 1967 منح إسرائيل أفضلية التقدم واختراق صفوف المدافعين حتى مدينة القنيطرة التي يقول الإسرائيليون إنهم دخلوها دون قتال، وذلك بعدما أمر وزير الدفاع السوري آنذاك، الرئيس الراحل حافظ الأسد، القوات السورية بالانسحاب الكيفي، تزامناً مع إعلان راديو دمشق سقوط القنيطرة في البلاغ العسكري الشهير رقم 66، في وقت لم تكن القوات الإسرائيلية قد دخلت الهضبة السورية بعد.
ويقول الكاتب البريطاني باتريك سيل (1930-2014) الذي كان مقرباً من الأسد وألّف كتاباً عن سيرته، في محاولته الإجابة عن سبب إصدار “البلاغ الكاذب”، إن “اللجوء إلى إذاعة بيان سقوط القنيطرة قبل وقوعه فعلياً، في ظل اقتراب التهديد من العاصمة دمشق، قد تكون الغاية منه حث مجلس الأمن على الإسراع في فرض وقف مبكر لإطلاق النار”.
وفي حرب أكتوبر عام 1973 حاول الجيش السوري استعادة الجولان ولكنه أخفق في ذلك، بينما استطاعت دمشق استرجاع مدينة القنيطرة سلمياً إثر انسحاب القوات الإسرائيلية التي أحدثت دماراً كبيراً في المباني قبل مغادرتها، ثم وقّع الطرفان اتفاقية “فضّ الاشتباك” برعاية أممية، والتي أفضت إلى نشر الأمم المتحدة قوات دولية في المنطقة الحدودية.
تمسك بالهوية وانتفاضة شعبية
بعد احتلال القوات الإسرائيلية للجولان عام 1967، اضطر الكثير من أهالي المنطقة إلى النزوح، وقد حدث ذلك على مرحلتين، الأولى شملت 30 ألف نازح إلى دمشق ودرعا والقنيطرة، وفي الثانية لحق 90 ألفاً بمن سبقهم، في حين لم يبق إلا قرابة 8 آلاف في 5 قرى هي مجدل شمس وعين قنية وبقعاثا ومسعدة والغجر.
وتعتبر القنيطرة التي فُصلت إدارياً عن العاصمة دمشق، في عام 1966، أكبر مدن الجولان، وكان عدد سكانها قد بلغ في ذلك العام أكثر من 147 ألف نسمة.
وتقول الحكومة السورية إن الاحتلال الإسرائيلي عمل على تدمير ما يزيد عن 131 قرية و112 مزرعة ومدينتين بين عامي 1971 و1972، مشيرة إلى تهجير سكان قرية سحيتا إلى مسعدة بعد تدميرها وتحويلها إلى معسكر.
ولا تزال أجزاء من القنيطرة مدمرة إلى الآن، رغبةً من القيادة السورية في إظهار حجم الدمار الذي خلّفه الاحتلال الإسرائيلي.
وتضيف بيانات دمشق أن هناك 76 حقل ألغام نشرتها إسرائيل في الجولان إلى جانب نحو مليوني لغم من الأنواع الفتاكة والقنابل العنقودية، بعضها داخل القرى المأهولة أو حولها مثل مجدل شمس. كما يوجد في الجولان وفق المصادر ذاتها 60 معسكراً للجيش الإسرائيلي.
وفي 14 شباط 1982، شهد الجولان انتفاضة شعبية عارمة رفضاً لقرار الكنيست بدء تطبيق القوانين الإسرائيلية، بما فيها فرض “الهوية والتجنيد الإجباري”، حيث نفّذ السكان إضراباً شاملاً وخرجوا في مظاهرات حاشدة دفعت السلطات الإسرائيلية التي استخدمت العنف لإرضاخ السكان إلى التراجع عن قرارها بعد أشهر، وذلك حسبما يشير تقرير نشرته وكالة “سانا” في شباط 2020 بمناسبة الذكرى الـ38 للإضراب الشامل.
قرارات الأمم المتحدة
في 14 كانون الأول عام 1981، أقرّ الكنيست الإسرائيلي ما يسمى بـ”قانون الجولان” الذي تم بموجبه فرض “القانون والقضاء والإدارة الإسرائيلية” على المنطقة المحتلة، ولكن مجلس الأمن الدولي سرعان ما رد على الخطوة الإسرائيلية باتخاذ القرار 497 بعد 3 أيام فقط، والذي اعتبر فيه أن “قرار إسرائيل ضم الجولان لاغٍ وباطل وليس له أي أثر قانوني على الصعيد الدولي”.
وفي كانون الأول 2020 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأغلبية أعضائها، قراراً يُجدد المطالبة بضرورة انسحاب إسرائيل من الجولان السوري المحتل، حيث حظي القرار بتأييد 88 دولة ومعارضة 9 دول وامتناع 62 عن التصويت، مؤكداً عدم جواز اكتساب الأراضي بالقوة وفقاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وعدم مشروعية بناء المستوطنات والأنشطة الأخرى.
واستمر الوضع على ما هو عليه حتى عام 1991، عندما بدأت محادثات السلام بين سوريا وإسرائيل في مؤتمر مدريد برعاية أميركية، وكانت عودة الجولان السوري موضوعاً رئيسياً فيه، لكن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض إسرائيل الانسحاب الكامل.
وفي 25 آذار 2019، اعترف الرئيس الأميركي دونالد ترمب رسمياً بـ”سيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل”، وذلك عقب مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو الذي شكر ترمب واصفاً إياه بـ”أفضل صديق عرفته إسرائيل”.
لكن في 25 حزيران الماضي، قالت وسائل إعلام أميركية إن إدارة الرئيس جو بايدن قد تتراجع عن اعتراف الولايات المتحدة التاريخي بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان، في خطوة تُشكل ضربة كبيرة لإسرائيل.
لكن في اليوم التالي نفت وزارة الخارجية الأميركية تغيير موقفها، مشيرة في تغريدة على تويتر إلى أن “سياسة الولايات المتحدة تجاه الجولان لم تتغير، والتقارير التي تقول عكس ذلك خاطئة”.
وقبل ذلك قررت الحكومة الإسرائيلية الشروع في بناء مستوطنة جديدة في الهضبة تحمل اسم ترمب، تقديراً لاعترافه بالسيادة الإسرئيلية على الهضبة المحتلة، ليرتفع عدد المستوطنات إلى 33 مستوطنة.