خرقان أمنيّان شهدتهما الضاحية الجنوبية لبيروت خلال 7 أشهر، الأول أدى إلى تصفية القياديّ في حركة “حماس” صالح العاروري يوم 2 كانون الثاني 2024، فيما الثاني استهدف القياديّ في “حزب الله” فؤاد شكر يوم 30 تموز الماضي.
الخرقان لا يُعتبران بمثابة “هفوة” أو “عملية مارقة”، فبمعزلٍ عن الغارات الإسرائيلية والدمار الذي حصل في الاستهدافين، إلا أنَّ هناك ثغرة إستخباراتية كُبرى يجب عدم إغفالها بتاتاً، فيما المستهدف بشكلٍ أساسي فيها هو “حزب الله”.
عملياً، فإن ما حصل يكشف عن تسلل تجسُّسي أقله من الناحية التكنولوجية والبشرية، ما يدفع للتساؤل عن كيفية معالجة الخطر انطلاقاً من حفظ الدور الأمني لقادة الحزب في أماكن يُفترض أن تكون تحت شبكة أمنية مُتقنة.
حينما وقع انفجار الضاحية يوم الثلاثاء الماضي، بادر “حزب الله” إلى منع التصوير في المكان، فيما حاول أيضاً منع أي شخصٍ من الدخول إلى أي مبنى مُحاذٍ لمكان الإستهداف.
في محيط مستشفى بهمن، شاء الحزب أن يعزل رقعة القصف، سعياً منه لتطويق أي معلومة أو صورة قد تساهم في منح العدو الإسرائيلي معطيات ميدانية. إثر ذلك، وبعد يومٍ واحد فقط من الاستهداف، جرى تسريب كلامٍ إسرائيليّ عبر تقارير إعلامية تُفيد بأنّ إسرائيل تمكنت من الحصول على معلومات ميدانية للأضرار وذلك في غضون 4 ساعات فقط إثر الضربة، ما يكشف عن أن هناك خرقاً إضافياً لميدان الضاحية، وذلك إن صحّت السردية الإسرائيلية المزعومة.
بالإضافة إلى كل ذلك، فإنّ أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله وخلال خطابه يوم الخميس الماضي، لم يطرح أي كلامٍ عن واقع الحرب الاستخباراتية التي يعيشها “حزب الله”. فعلياً، فإنَّ الضربة التي طالت شُكر الذي يُوصف بـ”الرجل الثاني ضمن الحزب”، إنما تكشف عن اختراق التجسس سُلّم قيادة الحزب. وعليه، فإن عدم تطرّق نصرالله إلى أي أمرٍ يتعلق بتلك الحرب الأمنية، إنما يطرح تساؤلين أساسيين: هل أن “حزب الله” لا ينوي الحديث عنها الآن لكي لا يُقر بوجود خروقات أم أنه يترك الأمور على حالها حالياً وسط تحقيقات داخلية تُجرى لكشف الحقائق؟
ماذا يعني كل ذلك؟ باختصار تام، فإن ما حصل يكشف عن أنه من الصعب تطويق الخروقات ضمن الضاحية بالحد المقبول، فيما الثاني هو الكشف عن مكامن الخلل داخل الحزب.
هنا، تقولُ مصادر معنية بالشأن العسكريّ إنّ حدوث اختراقات الصفوف القيادية لـ”حزب الله” يخلقُ حالة من اللااستقرار داخل الحزب، ما يعني أن مختلف القادة الميدانيين الآخرين سيكونون حذرين جداً أكثر من اللازم وضمن إطار دقيق وحسّاس.
وبحسب المصادر، فإن الحزب يقف الآن أمام مُنعطف أمني كبير، فيما الرسالة التي حصلت إبان اغتيال شكر مفادها أنّ الأمور باتت أكثر تعقيداً، كما أن هذا الإستهداف سيزيد من وطأة التوتر داخل الحزب ويفتح الباب أمام مساءلات كبيرة خصوصاً أن شُكر من الحلقة الضيقة جداً لنصرالله.
إنطلاقاً من ذلك، فإنه من المتوقع ولمعالجة نقاط الخلل، أن يبادر الحزب إلى تعزيز رقابته الداخلية أكثر فأكثر، فيما بات على قسم “الأمن الوقائي” ضمن الحزب تعزيز عمله أكثر فاكثر بعدما باتت الخروقات تصل إلى رؤوس كبيرة.
المصادر سألت هنا: “إذا كان حزب الله قد فهم المعادلة التجسسية التي يتعرض لها، عندها سيتمكن من إبتكار حل.. ولكن، ما تبين هو أن الحزب يمارس عملياته ويضبط تحركاته ضمن واقعٍ بات معروفاً بالنسبة للبنانيين، ما يعجل أمر الخرق سهل جداً أقله على الطرقات”.
لهذا السبب، فإن مسألة “الأمن الوقائي” داخل الحزب تحتاج إلى تقييم جديد باعتبار أن أكثر من 18 قائداً تمت تصفيتهم في لبنان، وهو رقمٌ ليس عادياً نسبياً. وعليه، فإن “أمن الحزب الوقائي” هو أكثرُ فئة سيكون الاعتماد عليها لاحقاً لمنع التجسس الإسرائيلي بكافة وجوهه، التقنية والبشرية.