انشغلت الدول الغربية والعربية والإقليمية أمس بزيارة أمين المجلس القومي الروسي سيرغي شويغو إلى طهران، وقائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي مايكل كوريلا إلى تل أبيب في سياق جولة له في الشرق الأوسط كانت مقررة قبل قيام اسرائيل باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية في طهران، واغتيال القائد العسكري في حزب الله فؤاد شكر عبر غارة استهدفت مبنىً سكنياً في ضاحية بيروت الجنوبية اسفرت عن شهداء وجرحى.
وبينما تحاول واشنطن درء التصعيد في المنطقة وعدم الانزلاق إلى حرب شاملة مفتوحة انطلاقاً من أن مصلحتها تكمن في تهدئة التوتر في الشرق الأوسط مع قرب حلول موعد الانتخابات الرئاسية والتي قد تتأثر نتائجها بالحرب الكبرى في المنطقة، فإن لقاءات شويغو مع الرئيس الايراني مسعود بزشكيان وكبار المسؤولين الامنيين بحثت في الوضع في سوريا واغتيال هنية والوضع على الحدود اللبنانية الجنوبية، علماً أن أوساطاً بارزة تشير إلى أن روسيا طلبت من إيران عدم الانجرار إلى محاولات رئيس الحكومة الإسرائيلية جر المنطقة إلى حرب اقليمية وبالتالي أن يكون الرد محدوداً وتجنب استهداف المدنيين وضرورة إبعاد سوريا عن المواجهات، مع الإشارة في هذا السياق إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وخلال استقباله الرئيس السوري بشار الاسد الشهر الفائت في موسكو حذَّر من التصعيد في المنطقة الذي يؤثر بشكل مباشر على سوريا.
وبالتزامن مع الزيارتين أطل أمس الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في كلمته خلال الحفل التأبيني للقيادي في حزب الله فؤاد شكر مؤكداً ثوابت الحزب في ما خص الرد على إسرائيل وتثبيت قواعد الردع.
ومع ذلك يخرج المستمع بإنصات إلى كلمة السيد نصر الله أن وظيفة خطابه الأساسية يوم أمس هي التهدئة وقطع الطريق على المبالغات في التوقعات التي تعتبر وكأن الحرب التدميرية الشاملة على الأبواب وأن معركة القضاء على إسرائيل قد حانت.
خطاب السيد نصر الله أمس هو خطاب تهدئة لكنه في الوقت نفسه يحفظ الحق برد جدي وانتقائي ومؤلم للعدو الإسرائيلي لكن ليس بالضرورة أن تكون وتيرته عاجلة ومتسارعة وكأنه راقى لمحور المقاومة والممانعة حالة الاستنفار المنهكة لإسرائيل كدولة وأجهزة عسكرية وأمنية ومحبطة للمجتمع الاسرائيلي الذي يسوده الهلع والإحباط.
لقد اعتبر السيد نصر الله أن هذه الحالة التي فرضها محور المقاومة على اسرائيل إنما هي جزء من الرد أما الرد الفعلي والمباشر فينتظر على ما يبدو اللحظة السانحة في الميدان، فأخرج السيد نصر الله في خطابه إيران وسوريا من مسؤولية الانخراط المباشر والمستمر بالمواجهات الميدانية الدائرة وحصر المعركة بفصولها المتتالية بالقوى المقاومة وشرح بتكرار وتفصيل ووضوح غير مسبوق كيف أن المقاومة في لبنان أدارت المعركة منذ البدء بطريقة لا تؤدي إلى تصعيد ولا تستهدف المدنيين وتأخد بعين الاعتبار خصوصية الوضع اللبناني واعتبر أن ما فرض حالة التصعيد هو الإسرائيلي عندما تخطى الخطوط الحمر وتجاوز قواعد الاشتباك واستهدف ضاحية بيروت الجنوبية، والأمر ذاته في ما يتعلق بالجمهورية الإسلامية التي بادر معها العدو الاسرائيلي إلى تجاوز الخطوط الحمر واستهداف رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في العاصمة الإيرانية طهران وهذا ما يفسر تعبيره الذي كرره بالنسبة إلى حزب الله والحوثيين والإيرانيين عندما اعتبر أنهم باتوا ملزمين بالرد على التصعيد الإسرائيلي، مع إشارته الهامة إلى أن الرد قد يكون منفرداً من قبل كل جهة على حدة أو قد يكون جماعياً، علماً أن الرد الأحادي هو أكثر انسجاماً مع لهجة التهدئة التي انطوى عليها الخطاب في حين أن الرد الجماعي كمحور والذي تتزامن ردوده على إسرائيل في الوقت ذاته، هو أكثر إيلاماً وخطورة لها فينطوي على اتجاه للتصعيد ويرفع من مستوى المخاطر واحتمالات التدحرج إلى حرب شاملة.