لا تنكر جماعة الحوثيين في اليمن علاقتها بإيران، فالجماعة التي تأسست عام 1992 باتت اليوم تُعرّف نفسها بأنها مكوّن رئيسي في ما يسمى بمحور المقاومة الذي ترأسه إيران، ويضم بالإضافة إليها حزب الله اللبناني، والنظام السوري، وجماعات وفصائل شيعية عراقية.
أمور عديدة مشتركة بين جماعة الحوثيين والنظام في إيران ساهمت في بناء علاقة متينة بين الطرفين، انعكست في الدعم السياسي والعسكري الذي تقدمه طهران للحوثيين.
قواسم مشتركة بين جماعة الحوثيين وإيران
وتعود العلاقة بين الطرفين إلى ما بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 في إطار جهود النظام الإيراني بتصدير ثورته الإسلامية إلى المنطقة، حيث قامت السفارة الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي بتوجيه الدعوة للشباب اليمني لزيارة إيران، والتعرف إلى تجربة الثورة الإسلامية.
وكان من ضمن من زاروا إيران حسين الحوثي، مؤسس جماعة أنصار الله (جماعة الحوثيين)، ووالده بدر الدين الحوثي، ومحمد عزان، وعبد الكريم جدبان، وغيرهم.
تأثر حسين الحوثي بالإمام روح الله الخميني، وحاول تقليده في خطبه التي كان يلقيها على أنصاره، بعد تأثره بسياسة وفكر النظام الإيراني الجديد الذي أنتجته الثورة الإسلامية.
ومثلت هذه الخطب المرجعية الفكرية للجماعة، ليمتد هذا التأثر بشعار الصرخة (الله أكبر… الموت لأميركا… الموت لإسرائيل… اللعنة على اليهود… النصر للإسلام) والذي بات شعاراً للحوثيين، وهو مشابه للصرخة الخمينية.
وخلال الحروب الـ6 بين جماعة الحوثيين والسلطات اليمنية بين عامي 2004 و2009، اتهمت السلطات اليمنية إيران بتقديم الدعم العسكري واللوجستي للجماعة.
وبعد سيطرة الحوثيين على صنعاء في 21 أيلول 2014، حاصر الحوثيون الأمن السياسي للإفراج عن المعتقلين على ذمّة السفينة الإيرانية جيهان، والتي كانت محملة بالأسلحة المتوجهة إلى الجماعة، وفي الوقت نفسه، كان النائب في البرلمان الإيراني عن العاصمة طهران (مجلس الشورى)، علي رضا زاكاني، يصرح بأن “ثورة الحوثيين في اليمن هي امتداد للثورة الخمينية”، مضيفاً أن “صنعاء رابع عاصمة عربية تقع تحت النفوذ الإيراني”، في إشارة إلى دمشق وبيروت وبغداد.
وكانت إيران هي الدولة الوحيدة التي أقامت علاقة دبلوماسية وتبادلت السفراء مع سلطة الأمر الواقع للحوثيين، وقامت بمد الحوثيين بالأسلحة والخبراء العسكريين خلال الحرب التي اندلعت في آذار 2015. وفي 24 أيار 2015 اعترفت إيران على لسان نائب قائد “فيلق القدس” للحرس الثوري الإيراني حينها، اللواء إسماعيل قاآني، بدعم الحوثيين عسكرياً وتدريبياً ولوجستياً.
وخلال العدوان الإسرائيلي الحالي على قطاع غزة، أعلن الحوثيون دخولهم في المعركة عبر شنّ هجمات على السفن الإسرائيلية أو تلك المتوجهة إلى الأراضي الفلسطينية في البحر الأحمر وخليج عدن بهدف الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها على غزة، حيث تستخدم الجماعة الصواريخ البالستية والطيران المسيّر في هذه الهجمات التي بدأتها في 19 تشرين الأول 2023.
كذلك، أعلنت جماعة الحوثيين عن تنفيذ عمليات مشتركة مع فصائل عراقية انضوت بعد العدوان في ما سمته “المقاومة الإسلامية في العراق” ضد مصالح إسرائيلية، في إطار تنسيق بينهما، في ظل وجود قيادات حوثية في العراق، وهو وجود أكده مقتل القيادي الحوثي حسين عبد الله مستور الشعبل بغارات أميركية على مواقع “كتائب حزب الله” العراقية الأسبوع الماضي.
عضو المكتب السياسي للحوثيين، حزام الأسد، قال لـ”العربي الجديد”، إن علاقة الحوثيين “بدول وفصائل محور الجهاد والمقاومة علاقة متينة وقوية بمتانة وقوة القضية المركزية الفلسطينية التي تجمعنا جميعاً”، مضيفاً أن “العلاقة بالجمهورية الإسلامية في إيران علاقة أخوية وندية، حيث نلتقي في إطار القضايا المشتركة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ومواجهة محور الاستكبار العالمي المتمثل بأميركا ودول الغرب الداعمة للكيان الإسرائيلي، كما نلتقي في تطلعات شعبينا الشقيقين اليمني والإيراني، وتبني المصالح المشتركة لكلا الشعبين، ودون مساس بالسيادة أو تدخّل في الشؤون الداخلية من أي بلد على البلد الآخر”.
وأشار الأسد إلى أنه “بالنسبة للتنسيق المشترك بين دول وفصائل محور الجهاد والمقاومة في مسار إسناد ونصرة أهلنا في غزة فهو مستمر ومتواصل، وبالنسبة للرد اليمني على الكيان الإسرائيلي لاستهدافه الحديدة (20 تموز الماضي) فهو آتٍ لا محالة، وسيكون قوياً إن شاء الله، وكذلك الرد من قبل إخواننا في بقية دول وفصائل المحور على العدوان الإسرائيلي على الضاحية وطهران واغتيال قيادات المقاومة إسماعيل هنية وفؤاد شكر، وقد يكون الرد متزامناً، وقد يكون تراتبياً، وقد يكون كلاً على حدة”.
الردّ الإيراني والدور الحوثي
كذلك، قال الصحافي المتخصص بشؤون إيران والخليج العربي، عدنان هاشم، لـ”العربي الجديد”، إنه “من الواضح أن الحوثيين يثبتون جذورهم في محور المقاومة، ولطالما كان بقاء الحوثيين في المحور، أمراً مشكوكاً فيه إلى حد بعيد بسبب بعدهم عن حدود إيران وأيضاً لارتباطهم المباشر بالأمن القومي لدول الخليج، وحاجة إيران إلى علاقة جيدة مع الضفة الأخرى من مياه الخليج العربي، لكن بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وثّق الحوثيون وجودهم داخل المحور وأثبتوا فائدة كبيرة لاستراتيجية “الدفاع الأمامي” الإيرانية”.
وأعرب هاشم عن اعتقاده بأن “علاقة الحوثيين بإيران ستعتمد على ما تقرره طهران في المستقبل، ويبدو من الأحداث الأخيرة والهجمات الإسرائيلية منذ نيسان الماضي على إيران ومحور المقاومة أن النظام الإيراني لا يزال بحاجة للحوثيين لفترة أطول، وفي المقابل، سيحتاج الحوثيون إلى طهران أكثر من السابق لأسباب سياسية وعسكرية واقتصادية”.
وأضاف: “الحوثيون الآن هم رأس حربة محور المقاومة، مع تراجع حزب الله إلى الظل لأسباب وتعقيدات المشهد الحالي في المنطقة، وأعتقد أن التنسيق معهم هو الأعلى منذ الحديث عن وحدة الساحات قبل سنوات”.
كذلك، أعرب هاشم عن اعتقاده بأن “الحوثيين سيشاركون في الرد الإيراني على إسرائيل، فقد أكدوا ذلك مراراً وتكراراً منذ اغتيال (رئيس المكتب السياسي لحركة حماس) إسماعيل هنية، وستكون عملية رد واحدة انطلقت من غرفة عمليات واحدة تجمع أطراف المحور، والاستقلالية ستكون في اختيار الأهداف التي سيهاجمها الحوثيون”.
أما المحلل السياسي أحمد شوقي أحمد، فقال لـ”العربي الجديد” إن الدعم العسكري الإيراني كان واضحاً من خلال تسليح الحوثيين، من خلال السفن التي تم القبض عليها قبل أكثر من عشر سنوات (جيهان 1 وجيهان 2)، أو من خلال الصواريخ الذكية والبالستية التي امتلكتها الجماعة، ومن خلال وجود خبراء في الحرس الثوري الإيراني وحزب الله يقومون بإدارة العمليات العسكرية التي تقوم بها الجماعة.
وذكر أنّ “الجماعة تتبنّى العمليات العسكرية ضد السفن الإسرائيلية والأميركية والأوروبية، لكن من ينفذ هذه العمليات هم خبراء تابعون لحزب الله والمجموعات العراقية والحرس الثوري الإيراني، وهذه وفقاً لتقارير دولية موثقة أكدت أن هذه الأطراف هي من تقوم بتنفيذ العمليات العسكرية في البحر الأحمر”.
وأضاف أحمد أن “تنسيق الحوثيين مع إيران وما يسمى بمحور المقاومة في عملياتهم ضد إسرائيل، واضح فيه أن دور الحوثي كان تخفيف الضغط عن حزب الله، وتخفيف الضغط سياسياً ودبلوماسياً وإعلامياً عن إيران، من خلال العمليات العسكرية في البحر الأحمر، وأخيراً أصبحت جماعة الحوثيين ورقة بيد المحور الإيراني للضغط على الغرب من أجل التفاوض بشأن الملف النووي، ومن أجل تمكين إيران من نفوذ جيواستراتيجي في منطقة البحر الأحمر. (العربي الجديد)