كانت ولاية جورجيا، كحال أريزونا، معقلاً جمهورياً لفترة طويلة، وبفوز الرئيس الأميركي جو بايدن بها في انتخابات الرئاسة 2020، تحولت الولاية الجنوبية إلى ولاية متأرجحة، وصُنفت على أنها ساحة معركة ساخنة في انتخابات الرئاسة الأميركية المرتقبة خلال تشرين الثاني المقبل.
ومع 16 صوتاً انتخابياً، يتنافس المرشح الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترامب مع المرشحة الديمقراطية للرئاسة ونائبة الرئيس كامالا هاريس لحصد أصوات الولاية، خاصة أن 8 من آخر 12 فائزاً بأصوات جورجيا وصلوا في النهاية إلى البيت الأبيض.
لماذا جورجيا مهمة؟
منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى عام 1960، كانت ولاية جورجيا ولاية “زرقاء” تصوت لصالح المرشح الديمقراطي للرئاسة في كل انتخابات. ولكن بدءاً من عام 1964، تحولت إلى ولاية “حمراء” وصوت ناخبوها للمرشحين الجمهوريين في جميع الانتخابات، حتى فاز بايدن بها في عام 2020 بهامش ضيق، وكان ذلك أول انتصار ديمقراطي في جورجيا منذ فوز الرئيس السابق بيل كلينتون بها عام 1992.
يقاتل ترامب وهاريس على أصوات جورجيا الـ16، فإذا تمكنت هاريس من الفوز بجورجيا ستحصل على 242 صوتاً انتخابياً، ما يجعلها على بعد ولايتين متأرجحتين مثل بنسلفانيا وميشيجان للوصول إلى الـ270 صوتاً الحاسمة.
في المقابل، يتمسك ترامب بالولاية التي تضعه أيضاً على بعد ولايتين متأرجحتين، بنسلفانيا ونورث كارولينا، وأنفقت حملته على الإعلانات في الولاية خلال الأسبوعين اللذين أعقبا فوز هاريس بترشح الحزب الديمقراطي، 4 أضعاف ما أنفقته منذ بداية 2024.
وبينما أنفق ترامب 16 مليون دولار من الأموال المخصصة للإعلانات في جورجيا حتى أوائل آب وفقاً لبيانات من AdImpact، فمن المتوقع أن يصل حجم إنفاق حملته على الإعلانات في الولاية، إلى ما يقرب من 28 مليون دولار، لتصبح بذلك أكبر استثمار له بعد ولاية بنسلفانيا.
أقلية جورجيا المؤثرة
يتأثر المشهد السياسي في الولاية بشكل كبير بسكانها ذوي الأصول الإفريقية الذين يشكلون ثلث قاعدة الناخبين، وهي واحدة من أعلى النسب بين الولايات. وحقيقة أن الولاية ذات أقلية كبيرة تعني أن الناخبين من أصل إفريقي سيشكلون مجموعة حاسمة في جورجيا خلال نوفمبر المقبل.
ينسب الخبراء الفضل إلى الناخبين الأفارقة في تحول الولاية إلى بايدن خلال انتخابات 2020 وانتخاب اثنين من الديمقراطيين لمجلس الشيوخ. ففي سبعينيات القرن الماضي، تدفق المزيد من الأميركيين ذوي البشرة السمراء إلى جنوب شرقي الولايات، وكانت جورجيا معقلاً لهم. وهو ما يفسر ميل الولاية نحو الديمقراطيين في العقدين الماضيين وتصويتها أخيراً لصالح بايدن.
كانت هذه التحولات السياسية متوقعة منذ عام 2000، مع نمو عدد السكان المتحدرين من أصول إفريقية في سن التصويت بأتلانتا، عاصمة جورجيا، بنحو 4 أضعاف من نمو عدد السكان البيض.
كذلك كان التحصيل التعليمي عاملاً مؤثراً في التصويت. ومع تزايد أعداد الأميركيين الأفارقة الجامعيين الذين هاجروا إلى الولاية، كانت أصواتهم أساسية في فوز بايدن، حيث يميل الحاصلين على تعليم جامعي للتصويت للديمقراطيين عادة على عكس الجمهوريين.
ورغم أن هناك نظرية تقول إنّ الاستمرار في ذلك الاتجاه ربما يؤدي إلى تحويل ميزان القوى بشكل كبير نحو الديمقراطيين في السباقات التنافسية على مستوى الولاية في انتخابات التجديد النصفي، لكن لا يمكن الجزم بذلك، إذ أن الخريطة تتغير يومياً.
تغير الخريطة، جعل جورجيا تميل بشكل طفيف مؤخراً، ناحية المرشح الجمهوري دونالد ترامب حسب أستاذ السياسة العامة بمركز الدراسات العليا في جامعة نيويورك، براون هيث.
لكن هيث قال لـ”الشرق”، إن التقدم الطفيف الذي يحظى به ترامب اليوم، كان تقدماً واسعاً بفارق 10 نقاط قبل انسحاب الرئيس جو بايدن من السباق، منحه إياه خيبة الأمل بين الناخبين الأفارقة من بايدن، “وقد يتلاشى هذا التقدم بسرعة، إلى نصف ما كان عليه قبل شهر”.
عداوة مع حاكم جورجيا
تزيد المعارك القانونية التي يخوضها ترامب من تعقيد البيئة السياسية في ولاية جورجيا. حيث وجهت هيئة محلفين كبرى في مدينة أتلانتا عاصمة الولاية اتهامات إلى ترامب و18 آخرين بمحاولة قلب نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2020 في الولاية التي خسر فيها بنحو 12 ألف صوت. وتعد هذه رابع لائحة اتهام توجه إلى ترامب.
في الوقت نفسه، تثير إعادة فتح ترامب العداوة القديمة بينه والحاكم الجمهوري للولاية، بسبب تلك الاتهامات، قلقاً بين الجمهوريين. وتوقع أستاذ الشؤون الحكومية في جامعة كورنيل ريتشارد بنسل، في حديثه لـ”الشرق”، أن تصوت جورجيا للديمقراطيين، لافتاً إلى عداوة ترامب مع حاكم الولاية بريان كيمب، التي تثير انقسامات بين صفوف الجمهوريين في الولاية، وقد تكلفه السباق هناك.
وكان ترامب، الذي ادعى وجود أدلة على تزوير واسع النطاق للأصوات في جورجيا عام 2020، قد وجه هجوماً حاداً إلى حاكم جورجيا، في بداية الشهر الجاري، خلال تجمع انتخابي حاشد بمدينة أتلانتا. وقال ترامب عنه إنه “رجل سيء، وغير مخلص، وحاكم عادي للغاية”.
وترجع تلك العداوة مع كيمب، إلى أنه دحض ادعاءات ترامب، وقال إن انتخابات 2020 في جورجيا لم تُسرق، “فمنذ ما يقرب من 3 سنوات، فشل أي شخص لديه دليل على الاحتيال في التقدم تحت القسم وإثبات أي شيء في محكمة قانونية. إن انتخاباتنا في جورجيا آمنة ونزيهة وستظل كذلك طالما أنا حاكم”.
وأدلى كيمب بشهادته بموجب أمر استدعاء لهيئة محلفين كبرى خاصة بمقاطعة فولتون، والتي حققت في محاولات التدخل في نتيجة انتخابات 2020. وفي النهاية، قاد هذا التحقيق هيئة محلفين كبرى إلى توجيه اتهامات جنائية إلى ترامب و18 آخرين.
افترض أستاذ الشؤون الحكومية في جامعة كورنيل ريتشارد بنسل، أن الحفاظ على الديمقراطية يأتي على رأس أولويات الناخبين في ما يتعلق بانتخابات نوفمبر، “مما يجعل ترامب خياراً مستبعداً”. وهو افتراض دعمه بالفعل، استطلاع رأي أجرته كلية “ماريست” في آذار الماضي، وجد أن ربع البالغين في جورجيا 25%، أكدوا أن الحفاظ على الديمقراطية هو على رأس أولوياتهم في الانتخابات المرتقبة.