متغيرات كثيرة سيظل يشهدها “التيار الوطني الحر”تباعا وقد لا يستقر على بر معين قبل أن يحين موعد استحقاق الانتخابات النيابية عام 2026 ، خصوصا اذا خرج من صفوفه (أو أُخرج) مزيد من النواب والقياديين بعد الياس بوصعب وألان عون وسيمون أبي رميا وإبراهيم كنعان. وعلى طبيعة هذه المتغيرات سيتحدد حجم التيار ومدى نفوذه داخل بيئته وعلى المستوى الوطني، خصوصا إذا إنبرى الخارجون منه إلى تكوين إطار معين قد يحلو للبعض ان يسمه “حركة تصحيحية” أو ما شابه.
وهذه المتغيرات على رغم من أهميتها كونها تصيب فريقا سياسيا وازنا،(او كان وازنا) في البلاد، لا تسترعي حاليا اهتمام الكثير من القوى السياسية وفي مقدمتها حزب الله حليف “التيار”حيث يحكمهما “تفاهم مار مخايل” منذ العام 2006 . الموجودون الآن في “التيار” أو الذين أخرجوا منه او خرجوا على حد سواء هم الأكثر اهتماما بما يجري في داخله كونهم المعنيين مباشرة به،اما اهتمام الآخرين فله طابع المتفرج أو المنتظر لما سيؤول إليه واقع “التيار”، ولكن هناك إجماع لدى الاوساط السياسية بكل تلاوينها على أن ما يُقبِل “التيار” عليه سيكون غير ما قبله حتما، بحيث بات يمكن لكثيرين الحديث باريحية عن ان التيار “صار تيارين” مثلما انقسمت قبله سابقا وحتى الامس القريب احزاب لبنانية عريقة وكثيرة. فهناك الآن تيار يقوده النائب جبران باسيل وسيخرج منه في اي وقت كل من لا يدين له بالولاء وطبعا بعد اداء فروض الطاعة والولاء للرئيس المؤسس العماد ميشال عون، وسيقابله تيار الذين خرجوا او اخرجوا من التيار “بحق او بغير حق” حيث سيعمل هؤلاء على تكريس وجودهم في الحياة السياسية الآن ولاحقا خصوصا وانهم عازمون على خوض الانتخابات النيابية، ولكنهم حتى الآن ما زالوا في مرحلة درس ما ينوون اتخاذه من خطوات وتحديد الاطار التنظيمي الذي سيؤطرون انفسهم به وجذب ما امكنهم من “التياريين” اليه.
وفيما الانظار منصبة على حزب الله لمعرفة ما سيكون موقفه مما يحصل في البينية التنظيمية لحليفه، تقول حسب مصادر مطلعةعلى موقف الحزب لـ”لبنان 24″ انه لم يقرر بعد اتخاذ أي خطوة أو موقف مما يصيب التيار، مع انه بدأ يرتاب كثيرا من بعض المواقف التي تصدر هذه الايام عن باسيل او عون الذي يبرر الخطوات التي يتخذها باسيل بالقول ان التيار “يصحح نفسه”. وتضيف المصادر نفسها ان حزب الله لم يتدخل بعد في ما يحصل داخل التيار وأن اي كلام عن أنه سيتحالف مع فريق ضد آخر داخل التيار وخارجه لا معنى له، إذ لا يمكن البحث مع رئيس التيار أو غيره من الآن في أي شيء او في انتخابات نيابية أو غيرها، لأن التحالفات الانتخابية غالبا ما تتقرر خلال الأسبوعين اللذين يسبقان موعد إجراء الانتخابات.
لكن هذه المصادر تقول أن نهج حزب الله في التعاطي السياسي يقوم منذ البداية على تغليب التفاهم على التفرد، وعلى التوافق بين القوى السياسية الوازنة بعيدا من الطائفية والمذهبية، وأن تجربة الحزب مع “التيار الوطني الحر” هي خير شاهد على صحة هذا الأمر على رغم من الخيبة التي انتابته جراء سوء تقدير القيادة المستجدة في “التيار الوطني الجر” وتقييمها لإيجابيات “تفاهم مار مخايل” وكذلك جنوح هذه القيادة نحو النرجسية المقيتة التي تلقي التبعات على الآخرين وتتهرب من تحمل المسؤولية، فنرجسية قيادة التيار لا تستطيع تحمل اتهام بالفشل فيما هي غارقة في الفشل حتى الصميم ولذلك تبرره برمي الفشل على غيرها وتقول “التفاهم ما خلانا”، والعلاقة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري “ما خلتنا”وهي انهم “لم يفوا معنا في التزام بناء الدولة “، مع العلم أن التيار لم يترك لحلفائه أي شيء في الحكومات المتعاقبة”.
ولذلك، تضيف المصادر، إن باسيل إذا استمر في هذه السياسة بطرد النواب والقياديين من التيار قبيل الانتخابات عام 2026 لن يكون في إمكان تياره الفوز بأكثر من خمس نواب فقط.
ويكشف المصدر أنه “ليس سرا القول أن ليس لدى حزب الله أي تحفظ عن بناء علاقة مع النواب الذين خرجوا من التيار وأن قيادة الحزب أبلغت إلى باسيل بطريقة ما أنها لن تقبل إشتراطه قطع العلاقة مع هؤلاء لبناء العلاقة معه، وقيل له مباشرة: “نحن لا نقطع معك ولكن لا دخل لك بعلاقتنا مع الآخرين”.
على أن بعض المعنيين يعتبر أن ما يقال في هذا المجال هو نوع من الاستباق سواء في موضوع احتواء النواب الذين خرجوا أو أخرجوا من التيار أو في موضوع القطيعة مع الرئيس ميشال عون وباسيل. ويرى هؤلاء أن الموقف الأخير لعون انطوى على نوع من “هجوم استباقي” على الحزب ليؤكد نقاط التمايز معه . إلا أن حزب الله ليس الآن في وارد ولا في أولوياته الاهتمام بمواضيع من هذا النوع لأن كل تفكيره واهتمامه يتركز على أولوية المعركة مع العدو الإسرائيلي وأن الوقت آت للاهتمام بالملفات الداخلية وأولوياتها لاحقا، ولكن كل التأويلات التي تعطى لمواقفه سواء مع الذين خرجوا من التيار أو في استمرار العلاقة مع باسيل ليس وقت النقاش فيها الآن، وان الوقت ليس لإمرار الرسائل من جانب حزب الله. ولذلك فإن المختلفين هم المستعجلون على وضع اصطفاف الحزب معهم سواء من بقوا في التيار أو من خرجوا منه وهذا هو جزء من لعبة إثبات الأرجحية والقوة. ولكن الحزب ليس في وراد أن يصطف أو أن يقول كلمته حاليا. ومن الآن وصاعدا، يختم المصدر، فالعلاقة بين الحزب والتيار باتت “على القطعة” في ظل سؤال يطرحه البعض وهو: هل هؤلاء النواب الأربعة الذين خرجوا من التيار هم حلفاء لحزب الله ام هم حلفاء لمصالحهم وحساباتهم السياسية الخاصة؟”