احتفل رئيس اساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم بعيد مولد السيدة العذراء، فترأس قداساً في باحة مقام سيدة زحلة والبقاع، عشية العيد، بمشاركة الآباء: ايلياس ابراهيم، عبدالله سكاف، ادمون بخاش وطوني الفحل، بحضور جمهور كبير من المؤمنين تقدمهم المدير العام لوزارة الزراعة المهندس لويس لحود.
وألقى ابراهيم عظة تحدث فيها عن ميلاد مريم العذراء ومعانيه في الحياة اليومية، فقال: “..إن مولد العذراء مريم يرمز إلى إشراقة النور في عالم كان يتخبط في ظلام الخطيئة. هي الممتلئة نعمة التي اختارها الله منذ الأزل لتكون أماً لابنه الوحيد. قداسةُ مريم تتجلى في طاعتها الكاملة لمشيئة الله، وفي نقاء قلبها الذي لم يعرف أي خطيئة. لم تتردد لحظة في قبول الدعوة الإلهية، بل استقبلتها بحب وإيمان مطلق”.
أضاف: “هذه القداسة ليست مجرد فضيلة فردية، بل هي دعوة لكل واحد منا للسير على خطاها. عندما نتأمل في حياتها، ندرك أن الطاعة لمشيئة الله ليست عبئاً، بل هي طريق إلى الفرح الحقيقي. مريم تعلّمنا أن القلب النقي، المستعد للإصغاء لصوت الله، هو قلب يفيض نعمة وبركة. فليخب ظن كل من أرادنا قلوبا تفيض بالحزن واليأس. إن مريم العذراء معنا، فاعلموا أيها الفاسدون وانهزموا، لأن العذراء معنا. إنها حاميتُنا وقائدتنا. بأمومتها نتقوى ونستنير. إنها أمُّنا، أمّ الكنيسة وأمّ المؤمنين. من على الصليب، منحها المسيح لنا أمًا عندما قال: “يا امرأة، هوذا ابنك” (يوحنا 19:26). في تلك اللحظة، أصبحت مريم أمًا لكل البشرية، حاضنة لكل من يؤمن بالمسيح. هذه الأمومة ليست عاطفية فقط، بل هي دعوة لكل مؤمن بأن يجد فيها ملجأ وسنداً في حياته”.
وتابع: “مريم، الأم الحنون، ترعى أبناءها في كل الأوقات. لم تتخل عن الكنيسة، بل هي ترافقها في كل محنة، كما رافقت المسيح في طريق الآلام. لقد وقفت بجانب الصليب، وهي اليوم تقف بجانبنا، تحمينا وترافقنا في طريقنا نحو الخلاص. أمومتها لنا هي تعبير عن حب الله اللامتناهي لنا. عبر تاريخ الكنيسة، كانت مريم دائمًا حاضرة في لحظات المحن والتحديات. ظهوراتها المباركة في لورد، وفاطيما، وغوادالوبي وغيرها، كانت نداءً للعالم للتوبة والعودة إلى الله. من خلالها، يُظهر الله رحمته ويعلن عن محبته اللامحدودة للبشرية. مريم هي القناة التي من خلالها يتدفق النور الإلهي ليغمر الأرض بسلامه. وإننا عندما نتأمل في دور مريم عبر التاريخ، نرى أنها ليست فقط أمًا روحية، بل هي قائدة تقود الكنيسة في أوقات الظلام. هي التي تشفع لنا أمام عرش النعمة، وتدعو العالم إلى السلام والمصالحة مع الله”.
وأردف قائلاً: “في هذا الظرف العصيب الذي يمر به لبنان، نقف جميعًا أمام التحديات الكبيرة التي تهدد كياننا ووحدتنا وسلامنا. لكن، كما حمت مريم زحلة ولبنان في الماضي، هي اليوم تواصل حمايتنا بصلواتها وشفاعتها. كيف ننسى حماية مريم العجائبية لزحلة في محنتها. إنها “سيدة زحلة والبقاع” حيث تنحني الرُب للصلاة والتوبة وهي وحدها تعلم كم من الأعاجيب أجرت في هذا المكان التي تقدسه. وكيف ننسى تلك اللحظات التي التجأنا فيها إليها في أوقات اليأس والحروب والمحن؟ مريم هي سيدة السلام، وهي التي تطلب منا اليوم أن نتحد ونصلي من أجل وطننا. لبنان، هذا البلد الذي وضع تحت حمايتها، يمر بأزمة قد تهزّ إيمانه وثقته بالله. لكننا على يقين أن شفاعة مريم لن تترك هذا البلد يسقط. في هذه الأيام الصعبة، نحن بحاجة إلى أمومتها وشفقتها أكثر من أي وقت مضى. دعونا نلجأ إليها بقلوب مفتوحة، طالبين منها أن تمد يدها الحانية لتحمي وطننا وتردّه إلى درب السلام”.
وختم ابراهيم: “أيها الأحباء، إن مولد العذراء مريم هو دعوة لنا جميعًا لكي نجدد إيماننا بالله وبقدرته على تحويل الظلام إلى نور. فلنضع كل مخاوفنا وآلامنا بين يديها، ولنتعلم منها كيف نكون أبناءً طائعين لله، ونمضي قدمًا بثقة بأن يد الله تعمل من خلالنا. نطلب من السيدة العذراء مريم، سيدة زحلة، أن تظل حامية لهذه المدينة المباركة، وللبنان الحبيب، وأن تمنحنا الحكمة والقوة لمواجهة التحديات، والإيمان بأن الله معنا في كل لحظة وأن تشفي وتعيد ألينا سالماً الأرشمندريت إيلي بو شعيا، كاهن المقام المحترم الذي يرسل لكم محبته وتحياته. أشكر كل من يتعب في هذا المقام من متطوعين وموظفين وأشكر خصوصا الأستاذة ساندرا جريجيري على كل ما تبذله من جهود في الحفاظ على هذا المقام المقدس. كما أشكر الأستاذ مارون مخول، رئيس منتدى زحلة الثقافي، والمرنمة ريتا برهوم وفرقة ميوزيكا والأستاذ ايلي طرباي وجماعة الخدمة الصالحة ومهندسي الصوت والإعلاميين الذين نظموا وغطوا هذا الرسيتال الديني الذي سنحضره بعد هذا القداس مباشرة. أشكر إخوتي الكهنة والشمامسة المشركين معي في هذا القداس الإلهي وأقول للجميع: كل عيد وأنتم بألف خير. آمين”.