ما يتعرّض له الجنوب من اعتداءات إسرائيلية تقابلها عمليات تنفذّها “المقاومة الإسلامية” يفوق بخطورته وأبعاده ما يجري في قطاع غزة والضفة الغربية، باعتبار أن لبنان هدف دائم لتل أبيب، التي تسعى، كما هو واضح، إلى استكمال مخططها التهجيري لفلسطينيي القطاع نحو صحراء سيناء، ولفلسطينيي الضفة نحو الأردن، ولفلسطينيي الـ 48 نحو الأراضي اللبنانية، التي لم تعد تستوعب المزيد من تدفق النازحين أو المهجرين من بلادهم بعدما جعلوا من لبنان بقوة الفعل بلد لجوء، وهو الذي لم يحمل ولا مرّة هذه الصفة.
Advertisement
ويسأل بعض السفراء الذين تتماهى دولهم مع المخططات الإسرائيلية: هل كان لبنان ليتعرّض لكل هذه الاعتداءات مع ما يرافقها من مخاوف على المستقبل والمصير لو لم يفتح “حزب الله” جبهة الجنوب لإسناد غزة ولإشغال الجيش الإسرائيلي عنها. هو سؤال يُطرح في كل مرّة يختّل فيها التوازن بين منطق القوة ومنطق حق الدفاع عن النفس المشروع والمكرّس شرعًا وقانونًا. وفي كل مرّة تلجأ فيها إسرائيل إلى خرق “قواعد الاشتباك” تمامًا كما فعلت عندما استهدفت عناصر الدفاع المدني، الذين كانوا يقومون بواجبهم الإنساني في بلدة فرون الجنوبية، تعرف أن “المقاومة” ستردّ، وبقوة، على استهداف المدنيين، ومن بينهم متطوعو الدفاع المدني. وعلى رغم ذلك تقوم بما تقوم به من اعتداءات تهدف من خلالها إلى استفزاز “حزب الله” ودفعه للردّ على الصاع بصاعين، وذلك لتسهل عليها ما لا يمكن تبريره عندما تلجأ إلى بعض الحجج الواهية للإقدام على ما هي عازمة عليه، خصوصًا أن اعتداء بلدة فرون ترافق مع تجدد تهديدات تل أبيب بالاستعداد لتنفيذ هجوم على لبنان. وما تلا هذه التهديدات من كلام لوزير الخارجية عبدالله بو حبيب عن أن تل أبيب غير مهتمة بوقف النار في جبهة الجنوب، وكشف بأن “إن إسرائيل نقلت لنا رسالة عبر وسطاء مفادها أنها غير مهتمة بوقف إطلاق النار في لبنان حتى بعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة.
فكلام الوزير بوحبيب جاء بعد ساعات على إعلان رئيس الأركان في الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي أن قواته تستعد لاتخاذ خطوات هجومية داخل لبنان، وبعد ردّ لبنان الرسمي على الرسالة الإسرائيلية المتعلّقة بتطبيق القرار 1701، برسالة قدمتها بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك إلى رئيس مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة ومفادها أن بوابة الحل الدائم هي من خلال التطبيق الشامل والكامل لقرار مجلس الأمن رقم 1701 بكافة بنوده ومندرجاته، وليس بصورة انتقائية كما يحاول الطرف الآخر فعله.
أضافت الرسالة «أن التطبيق الشامل للقرار 1701 يعني انسحاب إسرائيل من كافة الأراضي اللبنانية المحتلة، ووقف اعتداءاتها على سيادة لبنان واستهدافها للمدنيين اللبنانيين والأهداف المدنية، وانخراطها في عملية إظهار الحدود اللبنانية الجنوبية البرية المعترف بها دولياً، والمؤكد عليها في اتفاقية الهدنة لعام 1949، بإشراف ورعاية الأمم المتحدة.
وقد برزت الجولة التصعيدية العنيفة في الواقع الميداني في جنوب لبنان كإنذار مبكرّ بتطورات قد تتجاوز إطار القلق والخطر المعتادين، ولتزيد من هواجس اللبنانيين الذين يعيشون كل يوم بيومه مع ما يحمله لهم من مفاجآت وتهديدات، خصوصًا أن التصعيد الحاد والواسع نسبيًا الذي طبع الغارات الإسرائيلية منذ الجمعة الماضي على البلدات الجنوبية الأمامية ومواقع “حزب الله” اتسم بدلالات قد تتجاوز الإطار الميداني المباشر وتطورات المواجهة الدائرة بين إسرائيل و”حزب الله” منذ 8 تشرين الأول من العام الماضي الى إظهار متعمد لاستعدادات إسرائيلية لرمي كرة التحدي بقوة في وجه لبنان و”حزب الله” من خلال رفع وتيرة العمليات الحربية وصولًا الى حرب واسعة.
وهذه الدلالات اثارت مزيدًا من الغموض والقلق حيال المرحلة المقبلة في لبنان على رغم المواكبة الرسمية، التي يقوم بها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من خلال لقاءاته واتصالاته في الداخل والخارج لإبعاد كأس الحرب الواسعة عن لبنان، خصوصًا أن التطورات المتسارعة الأخيرة تحتم على جميع المعنيين مراقبتها ورصد دلالاتها بدقة متناهية.