مع اقتراب الخامس من تشرين الثاني، موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، تتباين التوقعات حول تأثير الحرب التي مضى على اندلاعها في غزة أكثر من 11 شهرا، على مسار السباق نحو البيت الأبيض.
وتسببت حرب غزة في انقسام كبير بين أعضاء الحزب الديمقراطي، وكذلك على مستوى قواعده الشعبية. وبسببها كان للعرب والمسلمين الأميركيين، الذين يعول عليهم في الانتخابات لحسم ولايات متأرجحة مثل ميشيغان، موقف غير داعم لترشح جو بايدن لولاية رئاسية ثانية قبل أن يعلن انسحابه في تموز الماضي ويفسح المجال لنائبته هاريس.
وبينما يرى المحلل السياسي العضو في الحزب الديمقراطي الأميركي، نصير العمري، في حديثه مع موقع “الحرة” أن الاهتمام بقضية غزة تراجع من جانب الناخبين الأميركيين، يعتقد المحلل السياسي الجمهوري، نبيل ميخائيل، أن اندلاع حربين في عهد الرئيس جو بايدن والاخفاق في وقف إطلاق النار في غزة حتى الآن سيؤثر على حظوظ نائبة الرئيس أمام ترامب.
هل يهتم الأميركيون بالحرب في غزة؟
يقول العمري إن استطلاعات الرأي الأخيرة تظهر أن كلا الحزبين في وحدة كاملة، بمعنى أن معظم الديمقراطيين والجمهوريين سوف يصوتون لأحزابهم وهذا يدل على أن الحرب في غزة وقضايا أخرى أيضا أصبحت أقل أهمية.
لكن العمري يؤكد أن “قضية غزة لا تزال مهمة في دوائر ضمن الولايات المتأرجحة”، معتبرا أن هذا الأمر لا يزال يؤرق الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
في المقابل، يرى ميخائيل في حديثه مع موقع “الحرة” أن “المواطن الأميركي بصفة عامة لا يحبذ ولا يفضل أن تكون هناك حرب قد تستدعي تدخلا أميركيا مباشرا، وخصوصا في فترة انتخابات رئاسية أو للكونغرس”، مشيرا إلى أن “هذه خبرة تاريخية تعلمتها الولايات المتحدة من أيام الحرب الكورية وفيتنام وحروب الخليج وأفغانستان”.
وأضاف ميخائيل قوله “حقيقة أن إدارة بايدن حدث في عهدها حربان هما روسيا ضد أوكرانيا والحرب في غزة، هذا يؤكد أن بايدن أخفق في منع قيام هذه الحروب أو إنهائها قبل الانتخابات الرئاسية”، مؤكدا أن الجمهوريين سيتغلون القضيتين في الهجوم على السياسة الخارجية لإدارة بايدن.
وفي استطلاع للرأي أجرته منظمة “ديموكراسي كوربس” في الفترة بين الأول والعاشر من آب الماضي لـ2234 ناخبا مسجلا، لم تكن الحرب في غزة من بين القضايا الثلاث الأولى التي تقلق الأميركيين. بل إنها احتلت المرتبة الـ12 من بين 15 اختيارا. وأكد 10 في المئة فقط من الذين تم استطلاعهم أن قضية الحرب في غزة تمثل لهم أولوية.
وفي أوائل آب، أجرت مؤسسة زغبي استطلاعا للرأي بين الناخبين الأميركيين، بتكليف من المعهد العربي الأميركي، وطلبت من الناس على وجه التحديد اختيار ثلاث قضايا هي الأكثر أهمية لتحديد تصويتهم. واحتلت “الأزمة في غزة” المرتبة الـ11 من بين 12 اختيارا.
وجاءت قضية غزة في المرتبة الأخيرة من بين القضايا التي تم تسميتها بنسبة سبعة في المئة، رغم أن 15 في المئة قالوا إنها كانت مهمة للغاية عندما سئلوا بشكل منفصل عن هذه القضية.
وفي الاستطلاعين، بدا أن الأميركيين يهتمون في المرتبة الأولى بقضايا تكاليف المعيشة والوظائف والهجرة.
ويقول العمري لموقع “الحرة” إن هناك اعتقادا لدى حملتي المرشحين الديمقراطي والجمهوري بأنه تم تحييد الصوت العربي كصوت مؤثر لأن غالبية العرب لديهم شكوك في أن ترامب بديل أفضل لبايدن، كما أن هاريس في استطلاعات الرأي تتقدم في الولايات الحاسمة”.
الصوت العربي في الانتخابات الأميركية
ويرى العمري أن “الصوت العربي لن يكون حاسما إلى درجة أن يتم تغيير الموقف الرسمي لهاريس وهو دعم إسرائيل والدعوة إلى وقف إطلاق النار”.
لكن ميخائيل يرى إن قضية الحرب في غزة قد تزداد أهميتها في الفترة المقبلة قبل انتخابات الرئاسة الأميركية.
ويوضح أنه من المتوقع أن يحدث تصعيد للعنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الذكرى السنوية الأولى لحرب غزة الشهر المقبل، “وبالتالي هذا سيعكس مشهدا سيئا للتوتر الحاصل في منطقة الشرق الوسط أمام عشرات الملايين من الأميركيين وستزداد التظاهرات في الولايات المتحدة”.
وبدأت الحرب في السابع من تشرين الاول إثر هجوم شنّته حماس على جنوب إسرائيل، تسبّب بمقتل نحو 1200 شخص في الجانب الإسرائيلي، معظمهم مدنيون، بحسب تعداد لفرانس برس يستند إلى بيانات رسمية إسرائيلية. ويشمل هذا العدد رهائن قضوا خلال احتجازهم في قطاع غزة.
وخُطف خلال الهجوم 251 شخصا، لا يزال 97 منهم محتجزين، بينهم 33 يقول الجيش إنهم لقوا حتفهم.
وتوعّدت إسرائيل بـ”القضاء” على الحركة. وأسفرت الغارات والقصف والعمليات البرية الإسرائيلية في قطاع غزة عن مقتل 41020 شخصا على الأقل، وفق وزارة الصحة في القطاع. وتفيد مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بأن غالبية القتلى من النساء والأطفال.
“ستؤثر سلبيا على هاريس”
وقال ميخائيل لموقع “الحرة” إن “المجتمعات العربية والإسلامية في الولايات المتحدة تهتم بقضية الحرب في غزة، بل أن كثيرا من الأميركيين من أصول غير عربية ومن غير المسلمين يطالبون بوقف إطلاق النار”.
ويرى ميخائيل أنه “لو قرر العرب والمسلمون في ولايات متأرجحة الامتناع عن التصويت كما حدث في الانتخابات التمهيدية فسيؤثر هذا سلبيا على كاملا هاريس في الفوز ببعض الولايات مثل فيرجينيا وميشيغان ومينيسوتا وحتى نيويورك وكاليفورنيا، نظرا لتواجد مسلمين وعرب كثر في هذه الولايات”.
ويرى العمري، بدوره، أن “هناك نسبة ربما ستحجم بشكل كامل عن التصويت في الانتخابات لأن الخيارات بين الجمهوريين والديمقراطيين في ما يتعلق بالقضايا العربية في الحقيقة سلبية، وكما أن الحزب الجمهوري فشل في استقطاب الصوت العربي، رأينا أيضا كيف أن حملة هاريس لم تتوصل إلى توافق مع حملة ‘غير ملتزم'” يضمن تصويتهم لها.
وأضاف أن “ترامب أيضا لديه محاولات كثيرة لاستقطاب الصوت العربي لكن تصريحاته كانت مسيئة خلال المناظرة عندما وصف بايدن بأنه فلسطيني في إشارة سلبية للفلسطينيين ومن يناصرهم”.
وتحت شعار “التخلي عن بايدن”، صوت عشرات آلاف الأشخاص بـ”غير ملتزم” في عدة ولايات متأرجحة، أبرزها ميشيغان، في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في فبراير الماضي، تعبيرا عن الغضب إزاء سياسات البيت الأبيض في ما يتعلق بالحرب في غزة.
وكان بايدن قد فاز في ميشيغان بفارق نحو 154 ألف صوت في عام 2020، وهي الولاية التي يقدر فيها عدد الناخبين المسجلين العرب بـ200 ألف.
وأظهر استطلاع للرأي أجراه معهد الأميركيين العرب بالتعاون مع مؤسسة زغبي قبيل انتخابات 2020 أن الأميركيين العرب يخططون للتصويت بمعدل مرتفع، حوالي 80 في المئة، أي 160 ألف صوت.
وفي نفس الاستطلاع، خطط حوالي 59 في المئة للتصويت لصالح بايدن أي ما يزيد قليلا عن 94 ألف صوت.
والآن، وجد استطلاعان للرأي أجرتهما مؤسسة زغبي بين الأميركيين العرب في الولايات المتأرجحة في تشرين الاول 2023 وأيار 2024، عندما كان بايدن لا يزال المرشح، أن 20 في المئة فقط قالوا إنهم ينوون التصويت له، أي 32 ألف صوت، أي خسارة نحو 62 ألف صوت ديمقراطي من عام 2020.
ويشير الخبراء إلى أن فرص هاريس أفضل بعد انسحاب بادين خاصة أنها أعلنت تعاطفها مع الفلسطينيين وموقفها المؤيد لوقف الحرب.
“كل الاحتمالات مفتوحة”
ويقول العمري لموقع “الحرة” إن نسبة الأصوات العربية في بعض الولايات المتأرجحة مثل ميشيغان كبيرة نعم، ولكن لا أظن أنها ستكون هي المرجحة خاصة إذا نظرنا إلى فئات أخرى ستصوت لهاريس أو أنها ستحجم عن التصويت لترامب”.
ويوضح: “كل الاحتمالات مفتوحة ولكن يجب النظر إلى الصورة الأشمل، وهي أن هناك تحركا من فئات أخرى من الناخبين، حيث استقطبت هاريس الأميركيين من أصل أفريقي ونسبتهم أعلى من العرب، كما أنها استقطبت نسبة أكبر من النساء مقارنة بالانتخابات السابقة، ولذلك لا يمكن القول أن الصوت العربي سيكون هو حجر الرحى أو سيصنع الفارق في الفائز بالانتخابات المقبلة”.
وأضاف: “بالتأكيد إذا لم تنجح هاريس ستكون هناك مراجعة داخل الحزب الديمقراطي بشأن موقفه من الحرب في غزة ونظرته للناخبين المسلمين والعرب”. (الحرة)