قصف مجمع رافائيل رد غير سيبراني على منشأة قادرة على القيام بعمليات سيبرانية معادية

23 سبتمبر 2024
قصف مجمع رافائيل رد غير سيبراني على منشأة قادرة على القيام بعمليات سيبرانية معادية


عاد العدو الإسرائيلي إلى تهديداته بشن عملية عسكرية موسعة على لبنان من دون أن يعني ذلك أنه قادر على فعل ذلك. وثمة من يظن أن تل أبيب تهدف من رفع وتيرة ضرباتها ضد حزب الله لا سيما تلك التي نفذتها عبر تفجير أجهزة بايجر واللاسكي واغتيال القائد العسكري الكبير ابراهيم عقيل وغاراتها التي كثفتها على مناطق تتوزع بين جنوب الليطاني ومجراه وشماله، من أجل، إما استدراج الحزب لتوسعة الحرب، واما دفعه إلى الفصل بين جبهتي جنوب لبنان وغزة وعودة مستوطني الشمال إلى المستوطات الاسرائيلية، علما ان الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين كان قد أبلغ وزير الحرب يوآف غالانت أنه “لا يعتقد أن العملية العسكرية الإسرائيلية ستعيد سكان الشمال إلى ديارهم”.

ما حصل في الأيام الماضية لم يضعف حزب الله ولم يكسره. ورغم أنه أقر بالتفوق المخابراتي والتكنولوجي لإسرائيل، إلا أن الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله أعلن أن العدو الإسرائيلي سيواجه بحساب عسير وقصاص عادل من حيث يحتسب ومن حيث لا يحتسب، مؤكدا أن “الخبر هو ما سترون وليس ما تسمعون”.

وفجر الأحد استهدف حزب الله بعشرات الصواريخ من طراز “فادي 1” و”فادي 2″، قاعدة “رامات ديفيد” التي تحوي مطارا عسكريا، و تعتبر واحدة من أهم ثلاث قواعد جوية رئيسية في إسرائيل وتقع جنوب شرق مدينة حيفا كما استهدف مجمعات الصناعات العسكرية ‏لشركة “رافاييل” المتخصصة بالوسائل والتجهيزات الإلكترونية، والواقعة في منطقة “زوفولون” شمالي ‏مدينة حيفا المحتلة بعشرات الصواريخ من نوع “فادي 1″ و”فادي 2″ و”الكاتيوشا”. وهذا الهجوم يعد الأبعد مدى نحو اسرائيل منذ انطلاق المواجهات في الثامن من تشرين الأول الماضي. مع الإشارة إلى أن صاروخ “فادي 1″، هو صاروخ “خيبر M220” عيار 220 ملم، يُستخدم لتعزيز قدرات الحزب الهجومية، وصاروخ “فادي 2” هو صاروخ من عيار 302 ملم، الذي ظهر سابقا في منشأة “عماد 4”. وتعتبر صواريخ M302 من الأسلحة الفتاكة التي استخدمها “حزب الله” في الهجوم على إسرائيل.

العميد الركن المتقاعد في الجيش اللبناني كلود الحايك يقول لـ”لبنان24″ إن صواريخ “فادي 1” و “فادي2” هما في ترسانة الحزب منذ حرب تموز 2006، ولأن الحزب لم يرد سابقاً على التصعيد الإسرائيلي إلى درجة لا يمكن السيطرة عليها، فإنه لم يقم باستخدام هذه الصواريخ تنفيذاً للمعادلات التي أطلقها الأمين العام للحزب، والتي لم تخرق إلا مؤخراً. وإثباتاً لهذه المقولة، فقد فصّل السيد حسن نصر الله، في إطار رده المدروس على اغتيال القائد الفلسطيني صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت، نوعية الصواريخ التي أطلقت على قاعدة ميرون الجوية وغيرها من الأهداف حينها، بأنها كانت صواريخ كاتيوشا العادية، وصواريخ “كورنيت” الحديثة. كذلك لم يقم باستخدام هذه الصواريخ “فادي 1”
و”فادي2″ في إطار رده على اغتيال القائد فؤاد شكر، ما يعني أنه ربما علل النفس بأن ترتدع إسرائيل ولا تجبره على استخدام الصواريخ الكبيرة والدقيقة، وكي لا يعطيها ما تريد، وهو شن حرب شاملة تجر معها الولايات المتحدة وربما الغرب كله، ما يمكن أن يتسبب بدمار شامل وكوارث إنسانية يقوم العالم بتحميل مسؤوليتها إلى حزب الله وحده كما تجري العادة، إلا أن جريمة بحجم تفجير أجهزة بايجر واللاسكي بحملتها، في مناطق شعبية مكتظة بالسكان الأبرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل، ثم الاعتداء مرة ثالثة على الضاحية الجنوبية، وإسقاط المبنى المستهدف على رؤوس سكانه، بحجة وجود قادة “الرضوان” في طوابقه تحت الأرض، ثم تنفيذ غارات جوية عنيفة طوال ليل21-22 أيلول، بحجة تدمير منصات إطلاق الصواريخ التي تهدد شمال إسرائيل، وبهدف إعادة سكانه إليه، ما أسقط العديد الإضافي من الأبرياء أيضاً، جعل الحزب مرغماً ينفذ جزءاً من وعده القائل “حيفا وما بعد بعد حيفا”، فاستخدم من ترسانته التي لم تضعف النوع الذي يطال هذه المدينة، وبدقة. واللافت أنها أصابت أهدافها، بالرغم من استماتة العدو لاعتراضها وإسقاطها قبل بلوغها قاعدة رامات ديفيد، ومجمع “رافائيل” الصناعي الإلكتروني، وكأن الحزب بذلك كان يريد، بحسب الحايك إثبات التالي للعدو:

1-أنه يستطيع، وبسهولة، إطلاق ما يريد من الصواريخ، ومن أي مكان يريده، رغم كثافة المراقبة الجوية والفضائية، والقصف الجوي العنيف والموجه من قبلهما.

2-إن عودة سكان شمال إسرائيل إلى منازلهم مرهونة، وستبقى مرهونة، وبكل بساطة، بوقف الحرب على غزة.

3-إن العدد الكبير من الشهداء والإصابات التي تلقتها صفوف الحزب، لن تثنيه عن متابعة مقاومته، وبالتالي، لا تظنن إسرائيل أنها أصبحت قادرة على دخول الأراضي اللبنانية من دون مقاومة، لذلك دعاها الأمين العام لتنفيذ هذه التجربة الجهنمية وسترى النتيجة.

4-إن قصف مجمع رافائيل الصناعي الإلكتروني هو نوع من الرد غير السيبراني على منشأة إسرائيلية قادرة على القيام بعمليات سيبرانية معادية، سواءً كانت مشاركة في الهجوم السيبراني الذي نفذ على المقاومة أم لا.

5-إن الاقتصار على استخدام صواريخ “فادي 1” و “فادي2” ما هو إلا رسالة تقول أننا نفذنا ما وعدنا به دوماً، وخذوا حذركم، فإننا قادرون أيضاً على التصعيد أكثر فأكثر، وما زال لدينا الكثير الكثير وذات القدرات التدميرية الأكبر بكثير.

6-إن توقفت إسرائيل عند هذا الحد من التصعيد، فإن توازن الردع القائم منذ سنوات يبقى قائماً. أما إن استزادت من غلوائها، فسيتم دائماٍ الرد عليها بالشكل المشبع درساً، والذي يفهمه قادتها واستراتيجيوها بالشكل الصحيح.

انطلاقاً مما تقدم، تبقى بحسب الحايك، احتمالات الحرب المفتوحة قائمة، في حال إن اتجهت إسرائيل نحو زيادة جنونها، وقررت جر العالم كله إلى حرب على الأراضي اللبنانية، معتقداً أن الأميركيين، أقله حالياً قبل انتهاء الانتخابات الرئاسية لن يوافقوا على خوض هكذا حرب كرمى لعيون مجنون إسرائيل،بنيامين نتنياهو. هذا من الجانب الآخر، أما من جانب المقاومة، فإن ردودها ستبقى مدروسة، لإبقاء مستوى التصعيد تحت السيطرة، فهي لا تريد الحرب الشاملة، ولو أنها جاهزة لها، وذلك لاعتبارات كثيرة أهمها تلك الإنسانية التي تفتقدها إسرائيل.

أما إن لم تقرر إسرائيل زيادة جنونها وجر الغرب إلى الحرب معها، وقررت بالتالي المتابعة في تنفيذ الاغتيالات، مع متابعة التصعيد جنوباً، فإن لكل عمل، كما يقول الحايك، رد فعل مدروس مماثل، ولنا ملء الثقة بوعي وحكمة قادة المقاومة، لإبقاء مستوى التصعيد تحت السيطرة. وفي هذا الإطار، من غير المرجح قيام إسرائيل بعملية برية ضد لبنان، لأن ذلك سيكلفها الكثير . فلبنان ليس غزة، وعرض الجبهة القتالية يمكّن المقاومة من استنزاف جيش العدو بأكمله. وبالتالي، فإن هذا ليس من مصلحة العدو أولاً، كما أن المقاومة، وبالرغم من جهوزيتها، لا تريده هي أيضاً.

وبينما كثف جيش العدو الإسرائيلي غاراته الجوية في اليومين الماضييين على مناطق تقع في أعماق تتوزع بين جنوب الليطاني ومجراه وشماله مع اعلان وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس إنه “إذا فشل العالم في سحب حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني، فإن تل أبيب ستفعل ذلك”، فإن ذلك يعيد إلى الواجهة مجدداً ما طرحه هوكشتاين في حزيران الماضي، على المسؤولين اللبنانيين بابتعاد حزب الله مسافة تتراوح بين 7 و10 كيلومترات علما أن إسرائبل كانت طلبت من هوكشتاين في حينه، إبلاغ لبنان رسالة مفادها إما انسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني الآن وإما الحرب .

من المؤكد، وفق الحايك، أن العدو لا يعترف أساساً بأية حدود برية. وبالتالي، ربما أتى “الوسيط” الأميركي على ذكر الحدود البرية في مفاوضاته مع المسؤولين اللبنانيين، في محاولة منه لتحييد لبنان من خلال إيهام الجميع بأن إسرائيل يمكن أن تتنازل عن بعض النقاط المختلف عليها على الخط الأزرق، ولكن التجارب أثبتت أنه لا يمكن الوثوق بالوعود. وانطلاقاً من هذا الواقع، فإن استعادة الأراضي المحتلة لا يمكن أن يتم إلا بالقوة، أو بالمفاوضات المرتكزة على القوة… تماماً كما حصل في المفاوضات حول الحدود البحرية، التي لم تكن نتيجتها لصالح لبنان كما كان ينبغي أن تكون. ولا يجد الحايك ارتباطاً، أقله في الوقت الحالي، بين ما يقوم به العدو على الجبهة الجنوبية، وبين ترسيم الحدود البرية، معتقداً أن هذه الأخيرة سيأتي دورها فور هدوء الجبهة المشتعلة، إن هدأت.