أثارت تصريحات وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي حول مبادرة وقف إطلاق النار في لبنان العديد من التساؤلات حول التحول في الموقف الإيراني من الحرب الشاملة في المنطقة.
ويرى خبراء في الشأن الإيراني أن التطورات المتمثلة بحديث عراقجي عن وقف إطلاق النار، وزيارة الرئيس مسعود بزشكيان إلى الدوحة، تأتي بعد إدراك طهران حجم المعركة المقبلة وخشية انهيار اقتصادها بعد تلويح إسرائيل بقصف المنشآت النفطية ومراكز الطاقة في البلاد.
ويقول الأكاديمي والمتخصص في الشؤون الإيرانية في كلية العلوم السياسية في جامعة صلاح الدين بأربيل، يروان الأتروشي، إن “تلويح طهران بمبادرة لوقف إطلاق النار قد تكون خطوة استراتيجية تهدف إلى فتح قنوات دبلوماسية، لتخفيف التوتر، أو تحسين صورتها أمام المجتمع الدولي”.
ويضيف الأتروشي: “هذا سيعتمد على مدى استجابة إسرائيل لمبادرة وقف إطلاق النار بما يخدم مصالحها الأمنية ويمنع تصعيدًا أكبر”.
وارتبطت زيارة، عراقجي، إلى لبنان، بعدة أهداف خاصة بالنظر إلى الدور الإقليمي الذي تلعبه إيران والظروف السياسية في لبنان والمنطقة، على اعتبارات الدعم اللامتناهي لحزب الله سياسيا واقتصاديا وعسكرياً.
ويردف الأتروشي، أن “طهران وجهت رسالة إلى المجتمع الدولي بأن إيران لا تزال لاعباً رئيساً في لبنان والمنطقة، وأنها قادرة على التحرك بشكل مستقل رغم العقوبات والضغوط، وهي التي من الممكن أن تخفف التوتر في لبنان عبر تفاهمات المجتمع الدولي مع إيران أولاً والتي بإمكانها إقناع حزب الله بوقف إطلاق النار خلال المرحلة الحالية”.
ويؤكد أن “إيران تحاول الاستفادة من زيارة عراقجي لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية وأمنية، وهي بالتأكيد مستعدة للجلوس والحوار مع الولايات المتحدة وحتى إسرائيل في المرحلة الحالية عبر اللعب بورقة حزب الله ولبنان بشكل عام”.
ومن خلال متابعة سلوك إيران في الأيام القليلة الماضية، يبدو أنها تحاول الموازنة بين عدة أهداف استراتيجية، وبين التصعيد والتهدئة، فهناك عدة عوامل تشير إلى أن إيران قد تسعى في بعض المواقف للتهدئة وتجنب حرب شاملة، لكنها في الوقت نفسه لا تريد خسارة نفوذها الإقليمي.
وحول هذا، يرى المتخصص في الشأن الإيراني، سردار خوشناو، أن “طهران أيقنت بأنها لا تمتلك الوقت الكافي للتهيئة لمجابهة الرد الإسرائيلي فيما حدث”.
ويقول خوشناو: “لهذا هي تحاول كسب الوقت عبر الحديث عن مبادرات وهدنة والتهدئة بهدف تغيير التكتيكات العسكرية على أمل أن تلقى آذانًا مُصغية من المجتمع الدولي لوقف الحرب عليها، على أقل تقدير في المرحلة الحالية”.
وفي حديث عبر “إرم نيوز”، يقول خوشناو: “العقوبات الأميركية والدولية على إيران أضرت بشدة باقتصادها، لذا هي ترى أن تجنب التصعيد العسكري المباشر يمكن أن يساعدها في تقليل الضغوط الاقتصادية وربما فتح باب للتفاوض مع الغرب لتخفيف العقوبات كما فعلت إبان مفاوضات الاتفاق النووي، حيث كانت إيران مستعدة لتقديم تنازلات نووية مقابل رفع العقوبات”.
وكان وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي كشف، اليوم السبت، من العاصمة السورية دمشق، عن وجود مبادرات بشأن وقف إطلاق النار وأنه قد أجرى مشاورات بهذا الشأن، معربا عن أمله في أن تصل إلى نتيجة.
وأضاف عراقجي: “لا شك أن الحديث عن وقف لإطلاق النار هو القضية الأولى في هذه الزيارة أولا في لبنان ومن ثم في غزة، وهناك طروحات موجودة في هذا المجال وأتمنى أن تصل المباحثات في هذا المجال إلى نتيجة”.
وتابع: “لا شك أننا بحاجة إلى جهود جمعية للمجتمع الدولي وهذه الجهود مستمرة، ونأمل أن نستطيع في دمشق أن نصل إلى تفاهم يدعم هذه الجهود والخطوات القادمة”.
وتأتي تحولات الموقف الإيراني وسعيها للتهدئة، بحسب محللين في الشأن السياسي، بعد معرفة طهران ببنك أهداف إسرائيل وجديتها في الرد على القصف الإيراني لتل أبيب.
ويقول المحلل السياسي العراقي، عايد شبيب، إن “الأوضاع الداخلية الصعبة في إيران تجبرها على تخفيف التصعيد مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية”.
ويلفت إلى أن طهران “تريد العودة باستراتيجيتها إلى ما قبل الضربة الإيرانية لتل أبيب عبر اتباع سياسة (الحروب بالوكالة) بالاعتماد على دعم حلفاء محليين مثل حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، والميليشيات العراقية بدلاً من الدخول في مواجهات عسكرية مباشرة”.
ويوضح لـ “إرم نيوز”، أن “الأوضاع الاقتصادية الصعبة، والاحتجاجات الداخلية، وتراجع الوضع الاجتماعي تشكل ضغطاً على الحكومة الإيرانية”.
ويعتبر أن “الدخول في حرب شاملة قد يزيد من هذه التحديات الداخلية، فالحكومة الإيرانية تسعى لتعزيز الوضع الداخلي وتحقيق استقرار نسبي بدلاً من الانجرار إلى مواجهات إقليمية”. (إرم نيوز)