فعلها العدو الإسرائيلي مجدداً وبعد نحو ثمانية عشر عاماً توغّل برّاً داخل الأراضي اللبنانية. “سهام الشمال” الاسرائيلية، بعدما تخطّت كل الخطوط الحمراء بمجازرها وعدوانها غير المسبوق على لبنان، بدأت منذ أيام المرحلة الثانية، معيدة الى الأذهان مشاهد حرب الـ33 يوماً المدمّرة، وسط معادلات وظروف جديدة، ابرزها ما احدثه اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. اليوم، الكلمة للميدان والتعويل على الديبلواسية لكبح جموح إسرائيل ومنعها من سفك المزيد من الدماء.
بين الحربين.. التقنية العالية والدقة أحدث الفرق
فيما يحملنا المشهد الحالي الى حرب تموز عام 2006، فان اختلافات عدة في الساحة والمجريات لا بدّ من التوقف عندها. ووفقاً لرئيسة منتدى الأبحاث الإعلامية حول المتوسط أستاذة العلاقات الدولية د. أمل نادر، أكثر ما يطبع هذه الحرب هو العمل المخابراتي عالي المستوى والدقة التقنية؛ ثم قطع وسائل التواصل وتحويل اجهزة اتصال إلى سلاح فتاك.
وتوضح نادر في حديثها لــ”لبنان 24″، أن ما يميز أداء اسرائيل هذه المرة، هي القدرة على تحديد الأهداف بشكل فائق الدقة وتصفية قيادات حزب الله ثم دكّ الترسانة العسكرية والخنادق ومخازن الأسلحة للحزب. بينما في حرب الـ2006، اقدمت اسرائيل على تدمير البنية التحتية اللبنانية من جسور ومرافق عامة وكهرباء”، مشيرة الى ان “عدد الضحايا هذه المرة أكثر بكثير من حرب تموز، في اقل وقت. وكذلك أعداد النازحين”.
وترى نادر ان “في المرة السابقة فشلت اسرائيل في المواجهة البرية مع حزب الله، الذي اثبت قدرته في المعارك على الأرض وتفوقه في معرفة المنطقة وتضاريسها. لذا تجنّبت المواجهة البرية وركزت على العمل المخابراتي”.
ايضاً من بين عوامل الاختلاف، تشير نادر الى انه “يمكن الاستنتاج ان حزب الله كان يتمتع في حرب 2006 بتأييد وطني أوسع، لكنه ومنذ المشاركة في الحرب السورية وتقديم المصلحة الإيرانية على المصلحة الوطنية تراجع مستوى التأييد لدى العديد من الشرائح اللبنانية”.
وتقول أستاذة العلاقات الدولية: “قد يكون المزج بين التفوق التكنولوجي والدقة في الاختراق المخابراتي هو سبب نجاح اسرائيل هذه المرة وقد تعلمت من دروس الفشل في المرات السابقة”، مضيفة: “يبقى السؤال حول المدة التي ستستغرقها هذه الحرب. هل ستنتهي بغضون شهر كحرب 2006 أم أنها ستتحول إلى حرب استنزاف طويلة المدى يُدَك معها ما تبقى من لبنان الدولة والمؤسسات؟”.
“حزب الله” ما بعد إغتيال نصرالله
لا شكّ أن استشهاد نصرالله هو الحدث المفصلي ونقطة التبدّل في “المقاومة” التي صنع مجدها على مدى ثلاثة عقود؛ غير أن تداعيات هذه الواقعة ومدى تأثيرها على مجريات الأحداث من المبكّر الحديث عنه في الوقت الراهن.
وتقول نادر إن “وجه “حزب الله”، بالمفهوم الذي نعرفه حتى الآن، سيتغيّر كثيراً لأن نصرالله هو من صنع مجده وقوته وهيبته بالشكل الذي عهدناه”. وتضيف: “طبعاً، اغتيال نصرالله سيحدث فارقاً، لأنه كان يمتلك قوة خطابية وكاريزما وشخصية وتاريخا وأعطى الكثير للحزب”.
أما عن مرحلة ما بعد نصرالله في “الحزب”، فتعتبر نادر ان “السؤال حالياً يتعلّق بإمكانية “حزب الله” من البقاء واعادة بناء نفسه وقوته من جديد، لافتة الى أن “الأمر يتوقف على من تبقى من القيادات، كيف ستتم العملية التنظيمية والى أي مدى ستترك إسرائيل للحزب القدرة على اعادة بناء نفسه”. هذا ما سنعرفه بعد انتهاء الحرب وبعد احصاء حجم الخسائر في العتاد والعتيد، بحسب قول نادر.
وتتابع رئيسة منتدى الأبحاث الإعلامية حول المتوسط: “الأكيد ان إعادة بناء الحزب بالصورة التي عهدناها يحتاج الى الكثير من الوقت، فالضربة كبيرة”، موضحة: “في أحداث كهذه، موت القائد لا يعني حكماً انتهاء الحزب لان بعد موت او استشهاد القائد يأتي خلفاً له. انما اكيد ان الضربة الان كبيرة جداً واستعادة القوة يحتاج الى الكثير من الوقت”.
نظام عالمي جديد على الأبواب
لا يزال من الصعب جداً التكهن بما سيكون عليه مستقبل المنطقة، بعد الضربة التي تلقاها أكبر واقوى حليف لإيران في الشرق الأوسط، فالأمر يتوقف على مسار الحرب؛ الا انه من المؤكد ان ما يحصل ستغيّر الترسيمات والمعادلات.
في هذا الشأن، ترى نادر أننا “على أبواب نظام عالمي جديد والتوازنات السياسية تتغيّر وتتبدّل، كذلك المصالح والتحالفات”.
وتقول: “رئيس الحكومة الاسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ينوي القضاء على حركة “حماس” و”حزب الله”، ربما لتسهيل التطبيع مع ما تبقى من دول المنطقة”، مضيفة ان “أي مفاوضات غربية مع ايران حول برنامجها النووي وموقعها في المنطقة يكون مختلفا بعد تقليص اذرعها العسكرية”.
أما بالنسبة للبنان، بحسب نادر، فـ”المهم هو ادراك المسؤولين اللبنانيين أهمية المرحلة والمنعطف التاريخيّ الخطير الذي تمر به المنطقة، ثم التعالي على الانقسامات الداخلية واقتناص هذه الفرصة للحفاظ على الدولة وعلى وحدة وسيادة لبنان”.
وتؤكد ان “البداية من انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة ثم العمل بشكل جدي وصادق من اجل احتضان الطائفة الشيعية الجريحة ومحاربة كل أشكال التحريض المذهبي والانزلاقات الخطيرة جراء الضغوط السياسية والاقتصادية القائمة”، موضحة: “اللبنانيون من أبناء الطائفة الشيعية الذين تقطعت بهم السبل بعد ان غادروا ارضهم ومنازلهم وفقدوا ذويهم ووجدوا انفسهم بين ليلة وضحاها لاجئين يفترشون العراء هم مسؤولية كبرى على عاتق كل لبناني، لا يمكن اختزالهم بحزب الله او بحركة أمل بل هم اكبر من ذلك بكثير وهم قلب الوطن الجريح الآن، حتى وان كان بعضهم يؤيد الحزب”.