أيام فاصلة بين الفراغ وانتخاب رئيس

7 أكتوبر 2024
أيام فاصلة بين الفراغ وانتخاب رئيس


أبدأ مقال اليوم بما انتهيت إليه في مقال الأمس، وفي تساؤل عن إمكانية انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل أن يوضع حدّ لغطرسة إسرائيل ولتماديها في استباحة كل شيء وضربها بعرض الحائط كل الاتفاقيات الدولية، وبالأخصّ اتفاقية جنيف، التي تحرّم استهداف المدنيين والمسعفين ورجال الإنقاذ. وهذا التساؤل يأتي متزامنًا مع ما يتوقعه البعض من أن تكون هذه الحرب طويلة ومدى قدرة اللبنانيين على الصمود حياتيًا واجتماعيًا في ظل الحصار التي تضربه إسرائيل عسكريًا على البحر والبرّ بحجة منع تدّفق السلاح من إيران إلى “حزب الله”، ومع الخشية من عدم تمكّن البواخر المحمّلة أدوية وبنزيًنا ومازوتًا وقمحًا ومواد غذائية من الاقتراب إلى الشواطئ اللبنانية، على رغم التطمينات بأن المخزون الموجود حاليًا في الأسواق اللبنانية كافٍ لأشهر. ولكنه يأتي خاصة في الوقت الذي باتت فيه جميع القوى السياسية تقريبًا مقتنعة بأن انتخاب رئيس انقاذي قد أصبح أولوية يتقدّم على الأولويات الأخرى، على أهميتها، وأن ما نُقل عن “المعارضة” من أجواء إيجابية” قد أعطى انطباعًا لدى بعض الأوساط السياسية بأن ما يُحكى في الاجتماعات المغلقة هو ذاته يتمّ التداول به في العلن. وهذا الأمر يؤّشر إلى أي مدى بات الجميع يشعرون بأن لا بدّ من آلية دستورية من شأنها أن تُخرج لبنان من عنق زجاجة الأزمات المتراكمة.

Advertisement

وما شجّع على هذا الجو التفاؤلي نسبيًا ما يُنقل عن الرئيسين نجيب ميقاتي ونبيه بري ووليد جنبلاط من ارتياح لما يصل إليهم من أصداء إيجابية من مختلف الأطراف قياسًا إلى الأجواء غير المشجعة، التي كانت سائدة قبل “اللقاء الثلاثي” في عين التينة.
هذا التفاؤل النسبي والحذر يتعاطى معه المعنيون عملًا بالمقولة الشهيرة لرئيس مجلس النواب “ما تقول فول حتى يصير بالمكيول”. إلاّ أن هذا لا يعني بالضرورة أن طريق بعبدا قد أصبحت “مسهمدة” أمام الرئيس العتيد، وذلك بسبب ما علق في الأذهان من ترسّبات الماضي، والتي تحتاج عملية إزالتها إلى بعض الوقت لكي تهدأ النفوس، وريثما ينجلي غبار الحرب المدّمرة والقاتلة. إلاّ أن ما وصل إلى مختلف القيادات من “اللجنة الخماسية” من نصائح تُختصر بكلمات قليلة “لا تملكون ترف الوقت” قد دفع الأمور في الاتجاه، الذي كان مفترضًا أن تكون كل الجهود موجهة نحوه قبل سنتين من الآن. ومما زاد من قناعة المقتنعين بأن الحل الرئاسي هو بين أيدي اللبنانيين أنفسهم، هو أن القوى السياسية مجتمعة، سواء تلك “المتمترسة” في خنادق “الممانعة”، أو تلك المحصّنة وراء أسوار “المعارضة الكرتونية”، قد أصبحت “محشورة” في زوايا عنكبوتية وفي “بيت اليك”، وهي تحتاج إلى من يساعدها على فكفكة عقد الأزمة الرئاسية. وهذه المساعدة، في رأي كثيرين لن تأتي من الخارج ما لم يلمس هذا الخارج الحدّ الأدنى من استعداد اللبنانيين لتحمّل مسؤوليتهم بأنفسهم، وأن يقلّعوا بأيديهم العارية الشوك الذي زرعوه على الطرقات المؤدية إلى قصر بعبدا، بقلة درايتهم وخلافاتهم السخيفة.
ولعل ما قاله البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عظة أمس الأحد من أن “انتخاب الرئيس لا يتحمّل بعد اليوم أي تأخير، أيًّا تكن الأسباب، فانتخابه يفوق كلّ اعتبار”، هو المدخل الصحيح لما يمكن أن تجمع عليه قوى “المعارضة” المدعوة إلى لقاء لم يحدد مكانه أو زمانه بعد، وإن كان البعض يتوقع أن يكون في بكركي أو في جامعة الروح القدس في الكسليك لما لهذين الصريحين في الوجدان المسيحي من حنين إلى دولة الستينيات.
ويضيف الراعي في عظته: “المطلوب من المسؤولين السياسيّين تناسي نقاط الخلاف، والتلاقي بروح المسؤوليّة التاريخيّة، والعمل بجديّة على انتخاب رئيس للجمهوريّة يحظى بالثقة الداخليّة والخارجيّة، فإنّ انتخابه أولويّة في هذه الظروف كي يبني الوحدة الوطنيّة الداخليّة”.
فانطلاقًا من هذه الأولوية تعتقد أوساط سياسية على علاقة بما يجري من اتصالات علنية أو بعيدة عن الأضواء أن الأيام القليلة المقبلة ستكون محطة فاصلة في المسار الرئاسي.