هدار عليون ووادي النسناس، حيان إسرائيليان؛ الأول لليهود، والثاني للعرب، وكلاهما من الأحياء القديمة في مدينة حيفا، لكنهما لا يلقيان نفس المعاملة. الأول زوّدت إسرائيل منازله بالملاجئ، والآخر تركته دون أي حماية، رغم أن السكان جميعا يحملون الجنسية الإسرائيلية.
“ثلث سكان مدينة حيفا، وبالأخص العرب، بلا حماية من الصواريخ، ولا توجد لديهم ملاجئ للاختباء” بحسب تقرير حديث لصحيفة “كالكاليست” الإسرائيلية.
حينما أطلقت إيران صواريخها للمرة الأولى على إسرائيل في نيسان 2024، لم تقتل سوى طفلة من عرب النقب، حيث تضاعفت احتمالية إصابتهم بـ2200 مرة مقارنة بنظرائهم من اليهود، حسب ما كشف تقرير صحيفة يديعوت أحرونوت، فلا ملاجئ ولا قبة حديدية.. فما سبب استثناء إسرائيل للفلسطينيين الذين يحملون جنسيتها من سبل الحماية في أوقات الحروب؟ وما هي أكثر المناطق المعرّضة لأخطار الصواريخ؟
“حيفا العرب” بلا حماية
بمجرد إطلاق أي صاروخ من قطاع غزة أو جنوب لبنان على إسرائيل، فإن رادارات القبة الحديدية ترصد التهديد وتقوم بإخطار الإسرائيليين بضرورة الهرع للملاجئ بسرعة كبيرة خلال دقيقة إلى أن يزول الخطر.
تقوم القبة بمحاولة اعتراض الصواريخ المهاجمة، لكنها لا تنجح في كل الأوقات، خاصة في حالات إطلاق عدد كبير من الصواريخ دفعة واحدة تجاه إسرائيل.
عندما يصل إشعار الإخلاء الطارئ لسكان حيفا، فإن الإسرائيليين اليهود يتمكنون من حماية أنفسهم بسرعة بالدخول للملاجئ المخصصة القريبة منهم. لكن سكان المدينة من العرب لا توجد لدى معظمهم أي ملاجئ للاختباء على الإطلاق.
وتنقل كالكاليست عن فتحي مرشود مدير جمعية “النهوض الاجتماعي” في حيفا قوله إنه “لا يوجد أي ملجأ على الإطلاق في حي وادي النسناس” ذي الأغلبية العربية والذي يعود تاريخه لنحو 650 عاما.
يضيف مرشود “لا يوجد مكان للاختباء. وفي حرب لبنان الثانية عام 2006، تضررت عدة منازل في الوادي وقُتل 3 من العرب”، مضيفا: “رغم محاولات أعضاء مجلس المدينة من العرب، لم تتحرك البلدية لحماية الأحياء التي نسكنها”.
القبة الحديدية.. عنصرية ضد عرب النقب
في شهر نيسان، عندما أطلقت إيران نحو 350 صاروخا باليستيا وطائرة مسيرة على إسرائيل، لم يسقط أي قتلى سوى طفلة بدوية تدعى أمينة الحسوني (7 أعوام) بعدما أصيبت بشظايا أحد صواريخ الاعتراض الإسرائيلية.
إسرائيل سارعت لاستخدام قصة أمينة للدعاية، لكن ما حاولت الحكومة الإسرائيلية إخفاؤه هو أن الطفلة قتلت لأن فرصة إصابتها أو أي من بدو النقب أعلى بـ2200 مرة من فرصة إصابة أي إسرائيلي آخر بحسب صحيفة يديعوت أحرونوت.
على الرغم من أن الفلسطينيين البدو في إسرائيل يشكلون فقط 1.5% من تعداد السكان الإجمالي، إلا أنهم يمثلون ثلث ضحايا الصواريخ، فالقبة الحديدية تتخلى عنهم من جهة، والحكومة ترفض بناء ملاجئ لهم من جهة أخرى.
حتى أمينة نفسها، في الوقت الذي كانت تصارع فيه الموت في المستشفى، وصل لوالدها أوامر هدم لأجزاء من منزلهم.
على عكس باقي المناطق في إسرائيل، فإن سكان النقب البدو لا تتوفر في غالبية قراهم أي صافرات إنذار أو حتى تغطية لشبكة الهاتف الخلوي للحصول على إخطار بحالة الطوارئ، أو كهرباء لمتابعة الأخبار.
فمن بين 150 ألف بدوي يسكنون في النقب، يعيش نحو الثلثين في حوالي 45 قرية لا تعترف بها إسرائيل. المحكمة الإسرائيلية العليا قضت في عام 1984 بأن البدو في تلك القرى ليس لديهم أي حقوق ملكية وأن قراهم تعتبر “مستوطنات غير شرعية” يتوجب هدمها وإزالتها.
هذا التصنيف يعني إلغاء تلك القرى من الخريطة بالكامل، بمعنى أن الدولة لا توفر للأشخاص القاطنين هناك أي بنية تحتية أو أنظمة مواصلات أو صحة أو تعليم أو صرف صحي أو أنظمة حماية كباقي الإسرائيليين.
لذلك، فإن نحو 92% من سكان القرى غير المعترف بها يقولون إنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى منطقة محمية أثناء تعرض إسرائيل للصواريخ بحسب استطلاع رأي لمركز المعرفة والأبحاث للسكان البدو في النقب.
ويعتمد سكان تلك القرى على جيرانهم في القرى القليلة المعترف بها حولهم، وتقول ليلى فريجات من قرية بئر علمشاش إنها لم تسمع أي صافرات إنذار أثناء الهجوم الإيراني في نيسان، لكنها استيقظت على صراخ سكان القرية المجاورة الذين حذروها ونصحوها بمغادرة المنزل نحو الساعة 2:30 بعد منتصف الليل.
ما مبرر إسرائيل لمنع الحماية عن العرب؟
السلطات الإسرائيلية تبرر حرمان فلسطينيي حيفا من الملاجئ بالقول إن الأحياء التي يقطنون فيها قديمة وبنيت بعضها قبل تأسيس إسرائيل وقبل إلزام القانون الإسرائيلي بإضافة ملاجئ أو غرف محصنة في المنشآت السكنية.
مع هذا، تنقل صحيفة كالكاليست عن الإسرائيلية آدي أوزدوفا أنها تعيش مع شريكها وطفليهما الصغيرين في حي قديم يدعى هدار عليون تم بناؤه قبل إقرار الملاجئ، ومع ذلك يحتوي الآن المبنى الذي تعيش فيه على ملجأ.
تحت ضغط الحرب واستمرار إطلاق الصواريخ على إسرائيل، بلدية حيفا تقول إنها تحاول إيجاد حلول مبتكرة لثلث سكان المدينة الذين لا تتوفر لهم أي حماية.
أحد تلك الحلول هو تحويل مواقف السيارات تحت الأرض لملاجئ تتسع لآلاف السكان عند الحاجة، وقد تم بالفعل نقل البلدية ذاتها وكامل موظفيها للعمل من قبو مدرسة مهجورة.
ويشير يائير زيلبرمان، عقيد الاحتياط ومدير قسم الطوارئ في البلدية، أنه تم تزويد مواقف السيارات في مجدال عرمون، ووسط المدينة بأنظمة الواي فاي، ومولدات طاقة، ومياه جارية وفتحات تهوية، تحضيرا لسيناريو استخدامها بشكل جماعي.
لكن هذا الحل لا يكفي، فتلك المناطق بعيدة عن مساكن فلسطينيي حيفا، وغير فعالة في حالات الإخلاء التي تتطلب الوصول للملجأ خلال دقيقة أو أقل.
يقول زيلبرمان نفسه إن مواقف السيارات تلك لن يتم فتحها كملاجئ إلا في حال تعرضت حيفا بأكملها لـ”كارثة” تسبب هروبا جماعيا للعديد من سكانها، مثل إطلاق “مئات الصواريخ على حيفا بشكل هيستيري” أو إصابة مصانع وموانئ حيفا مثل مصانع الكيماويات. (بلينكس – blinx)