كتب صلاح سلام في” اللواء”: ظلام بيروت الدامس يسترق السمع، بين غارة عدوانية إسرائيلية وأخرى، إلى أنشودة بطولية تنسج ألحانها هدير طائرات طيران الشرق الأوسط، بقيادة طيارين شجعان يسجلون حكايات إسطورية في كل رحلة تحط في مطار بيروت الدولي.
الحفاظ على المطار عاملاً في ظروف الحرب الشرسة، والغارات الإسرائيلية اليومية والمدمرة للبشر والحجر، من حوله، يشكل بحدد ذاته مغامرة جريئة لحماية خط الشريان الوحيد الذي يربط لبنان بالخارج، ويتيح لكل صاحب حاجة، أو مضطر للسفر، أن يخرج بأمان رغم الركام المتكدس يوماً أكثر من يوم، على الطرقات والأحياء المحيطة بمبنى المطار.
لقد تعرضت رحلات الميدل إيست وطائراتها لمخاطر جمّة إبان الحروب المتناسلة في لبنان، ولو بمعدل كل ١٥أو ٢٠ سنة، وكان أكثرها دراماتيكية الغارة الإسرائيلية التي دمرت أسطول الشركة على أرض المطار نهاية عام ١٩٦٨، ولكن حصافة الإدارة العامة، وحكمة رئيس مجلس الإدارة التاريخي للشركة الشيخ نجيب علم الدين أنقذت الميدل إيست من إفلاس محقق بعد تلك الكارثة، لأنه كان مؤمناً على الطائرات ضد أخطار الحرب، لدى كبريات شركات التأمين العالمية في لندن.
ولكن رحلات الشركة الوطنية الكبرى تتخذ طابعاً مختلفاً اليوم، لأنها تتم في أخطر ظروف حربية يمكن أن تحلق فيها طائرة مدنية. والصور المذهلة التي يتم تداولها على وسائل التواصل الإجتماعي، لطائرات الأرزة الخضراء وهي تشق طريقها وسط غيوم الدخان، وعلى جانب لهيب الحرائق التي تُشعلها الغارات الغادرة، هذه الرحلات مفعمة بروح الإنتماء الوطني، ومجسدة للولاء المؤسساتي، ومعززة للواجب الإنساني، والحرص على مساعدة مئات العائلات من التنقل من وإلى البلد، تحت ضغوط الحاجات الملحة والعلاجات الطارئة.
طيارو لبنان.. أبطال من بلادي، لهم من كل لبناني الإحترام والتقدير، وفي المقدمة رئيس الشركة الوطنية الكبرى، ورائد نهضتها ومكانتها الرفيعة بين الشركات العالمية، محمد الحوت، ويستحقون وضع أرفع الأوسمة الوطنية على صدورهم، عرفاناً لما يتحلون به من مهنية عالية، ومناقبية وطنية، وإستعداداً للعطاء والتضحية من أجل الوطن.
فهل من يُبادر من أهل الدولة ويشد على أيدي هؤلاء الأبطال؟
حماكم لله يا نسور الأرز، وحفظ هذه القلعة الوطنية العالية.