عدّة اتهامات
ادعت النائبة العامة في جبل لبنان غادة عون على المديرة العامة لهيئة إدارة السير هدى سلوم، بجرائم الرشوة والتزوير وهدر مال عام وإثراء غير مشروع وإخلال بموجبات وظيفية، وأحالت الملف على قاضي التحقيق الأول في بيروت جورج رزق. الادعاء أثار ردود فعل مؤيدة وأخرى معارضة للقرار. واللافت للنظر، أن الفئة المعارضة، هاجمت عون دون تبيان براءة سلوم من التهم الموجهة إليها.
جملة من المحطات قد تصلح لمساءلة سلّوم، وعلى رأسها ملف البارك ميتر، الذي يُعطي فكرة عن حجم الهدر والفساد في هيئة إدارة السير والوزارات التي يتقاطع عملها مع الهيئة. وفي هذا الملف، من الضروري التذكير بأن الهيئة لم تحوّل أي مبالغ مالية إلى البلديات التي تستفيد من مشروع البارك ميتر، وفي مقدمتها بلدية بيروت. وهذا الأمر مثبت من خلال الكتب التي أصدرها محافظ بيروت القاضي زياد شبيب والتي يبيّن فيها أنه “منذ العام 2007 لم يدخل صندوق البلدية فلس واحد من عائدات العدادات، رغم وضع البلدية أملاكاً عامة بتصرف هيئة ادارة السير”. وأضاف شبيب أن هيئة إدارة السير “لم تباشر بتزويد البلدية بالجداول والتفاصيل المالية العائدة للمبالغ المحصلة بواسطة العدادات ومصاريف تشغيل وتطوير هذه العدادت كل ستة أشهر، ما حرم البلدية الاطلاع على حقيقة مداخيل هذه العدادت وكلفة صيانتها ومعرفة ما يعود لها من عائدات هذه العدادت”.
ما بيّنه شبيب لم يستحق سوى رد أقل ما يوصف فيه أنه يثير الشبهات ويضع الهيئة أمام التساؤل، إذ ردت سلّوم بأنه “لم يتم إيداع اي عائدات لبلدية بيروت بسبب تقارب ايرادات المشروع من نفقاته”. والنفقات هي “صيانة وتشغيل وتأمين كافة مستلزمات السير الضوئية (قطع غيار ويد عاملة وأشغال مدنية وغيرها)”.
إنكريبت أيضاً
مطلع العام الماضي تم تلزيم شركة انكريبت المملوكة من عضو مجلس إدارة غرفة التجارة في بيروت وجبل لبنان هشام عيتاني، مشروع تبديل لوحات السير وإصدار دفاتر سير ومركبات بيومترية. والمناقصة التي رُسِمَت على قياس الشركة، أجرتها هيئة إدارة السير، وحصلت لتنفيذها، على سلفة خزينة بقيمة 37.5 مليار ليرة. وافقت الحكومة على المشروع من دون اعتراض أي فريق سياسي عليها.
والعلّة في هذا التلزيم، هو أن هيئة إدارة السير لا يحق لها قانوناً إجراء المناقصة، أي إن الهيئة خالفت القانون، فضلاً عن ترتيبها أعباءً مالية على الدولة من دون وجه حق. بالإضافة إلى أن التلزيم لم يكن شفافاً، بل أتى على قياس شركة انكريبت. وهذا كله يستدعي التحقيق مع سلّوم وتحميلها ما يقع عليها من مسؤوليات.
مسؤولية جماعية
“للنصر آباء كثر والهزيمة يتيمة”. هي مقولة يمكن تعديلها واسقاطها على الفساد في لبنان، حيث أن المستفيدين من الفساد كثر، ومن يواجه المحكمة، يبقى وحيداً.
سقطت هدى سلوم في الرمال المتحركة لملف الفساد، لكنها لم تكن وحيدة حين مررت الملفات المتهمة بها. وعلى مدى سنوات، كان هناك من يشارك أو يتستّر بالفساد وعليه. وبلحظة “صحوة ضمير” بات الجميع فارساً مغواراً يريد محاربة الفساد وقطع رأس الفاسد (مجازياً). لكن هل سأل أحدهم عن تفاصيل تنفيذ الصفقات المشبوهة في هيئة إدارة السير؟.
القليل من التفاصيل قد تعطي صورة عن المسؤولية الجماعية في هذا الملف. ومرة أخرى، نستند إلى ملفيّ البارك ميتر وشركة انكريبت. في الشق الأول، تغاضت بلدية بيروت ومحافظها عن سنوات طويلة من عدم دفع الأموال للبلدية، فهل من سبب؟ وأكثر من ذلك، وافق شبيب هيئة ادارة السير على مشروع تركيب عدادات في منطقة عين المريسة (أيلول 2015). وكان المشروع يستهدف زرع عدادات على طول الرصيف البحري لتتقاضى شركة البارك ميتر ومن خلفها إدارة السير، مبالغ مالية لقاء ركن المواطنين سياراتهم بمحاذاة الرصيف. وبالطبع، يُفترض بأن تجني بلدية بيروت حصّتها من المشروع، بغض النظر عمّا إذا التزمت إدارة السير بتحويل الحصة أم لا. ما يعني أن البلدية والمحافظ، وافقا على تحميل الناس أعباء إضافية بدل استمتاعهم بالمساحة العامة.
ولاحقاً، بفضل الضغط الشعبي والإعلامي، أرسل شبيب كتاباً إلى الشركة أمِلَ منها “التوقف عن تركيب العدادات”، أما العدادات التي كانت قد رُكّبت، فأمل المحافظ “عدم تشغيلها لحين ابلاغكم (للشركة) بالقرار المناسب”.
في الشق الثاني (انكريبت)، تجاهل وزير الداخلية (حينها) نهاد المشنوق، حق وزارة الداخلية إجراء المناقصة، ووافق على اجرائها من قِبَل الهيئة التي أجرتها خارج إدارة المناقصات. إلى جانب هذه المخالفة، وقّع وزير المال علي حسن خليل على الصفقة، التي رتّبت أكلافاً على الدولة، من دون التحقق من قانونيتها.
علماً أن المشروع الذي تسلمته شركة انكريبت، كان يُحضّر له في عهد وزير الداخلية الأسبق مروان شربل، الذي وضع الأسس القانونية لإجراء المناقصة في إدارة المناقصات.