رأى مراقبون أن الصفعات المتكررة التي وجهها قائد حركة حماس، يحيى السنوار، لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تضاعف الضغط الداخلي على حكومة الأخير، وتبرز مدى هشاشتها في مواجهة الضغوط الشعبية. فمنذ أيلول 2024، وبعد مقتل ستة أسرى إسرائيليين في قبضة حماس، اشتدت الاحتجاجات في إسرائيل مطالبةً بإبرام صفقة تبادل تضع حدًا لهذه الأزمة، حيث باتت هذه المطالبات وسيلة للتعبير عن رفض الشارع الإسرائيلي للسياسات التي ينتهجها نتنياهو في هذا الملف.
بدلًا من الاستجابة لمطالب الشارع، لجأ نتنياهو إلى خطوة مثيرة للجدل، حيث دفع بوثائق مزورة زُعِم أنها صادرة عن السنوار وقيادات حماس، مدعيًا أن الحركة ليست معنية بصفقة تبادل. الوثائق، التي نُشرت في صحيفتي “بيلد” الألمانية و”جويش كرونيكل” البريطانية، تهدف إلى توجيه الرأي العام الإسرائيلي نحو الاعتقاد بأنهم ضحية “خديعة” من حماس، وذلك في محاولة لتهدئة الاحتجاجات وإبعاد شبح الضغوط السياسية عن نتنياهو.
مع ذلك، يرى المراقبون أن هذه الخطة قد تأتي بنتائج عكسية، خاصة في ظل تزايد الانتقادات والاحتقان الشعبي، مما قد يعجّل بنهاية حقبة نتنياهو السياسية إذا ما استمر هذا المسار.
وبعد شهرين من تسريب هذه الوثائق، التي تم إثبات أنها مزورة، حتى إن صحيفة “جويش كرونيكل” طردت الصحفي الإسرائيلي الذي نشرها، وهو جندي سابق في جيش الاحتلال، من العمل لديها وحذفت كل تقاريره، بدأ تحقيق جدي ضد نتنياهو.
ووافقت المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية، على التحقيق مع موظفين في مكتب نتنياهو ومع نتنياهو أيضا ليس فقط بشأن هذه الوثائق المزورة، ولكن في ثلاث قضايا أمنية أخرى قد تكون كافية لعزله بالضربة القاضية.
4 قضايا
يوم 8 تشرين الثاني 2024، أكدت صحيفة “معاريف”، أن المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية، غالي بهاراف ميارا، صادقت على طلب الشرطة والشاباك إجراء تحقيق يتعلق بنتنياهو.
أوضحت أن التحقيق سيدور حول 4 من القضايا الأمنية في مكتبه، متعلقة بتسريب وثائق سرية للغاية لصحيفتين أجنبيتين، وتزوير بروتوكولات لاجتماع المجلس الحرب الإسرائيلي، وابتزاز ضابط إسرائيلي لأخذ وثائق سرية، وإهانة وزير الحرب السابق يوآف غالانت، الذي أقاله نتنياهو.
“معاريف” أكدت أنه بعد هذا التصديق يمكن للمستشارين فتح تحقيق ضد نتنياهو شخصيا، لأن الأمر يتعلق بقضيتين على الأقل في مكتبه، لكن المستشارة القضائية وجهازي الشاباك والشرطة رفضوا الحديث عن ذلك بشكل رسمي.
وسبق لنتنياهو أن هاجم المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية، وسعى لإقالتها عبر تغيير القوانين، بما يتجاوز المحكمة العليا الإسرائيلية.
صحف إسرائيل ترى أن هذه التحقيقات مع مكتب رئيس الوزراء ونتنياهو نفسه لتورطه في 4 قضايا أمنية خطيرة، والقبض على 4 من مكتبه، ربما تشكل “ضربة قاضية” قد تؤدي لعزله من منصبه، أو تعريته أمام الإسرائيليين وتعجل بانتخابات.
وفقا لمكتب المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية، هذه القضايا هي:
قضية فيلدشتاين: وهو مسؤول مكتب نتنياهو، المتهم بسرقة معلومات استخبارية من أرشيف الجيش وتسريبها للصحافة الأجنبية، بهدف التأثير على مفاوضات صفقة تبادل الأسرى، ويصعب تصور أنه فعل ذلك دون إيعاز من نتنياهو.
وقضية بروتوكولات الحرب: حيث قدم السكرتير العسكري السابق لنتنياهو اللواء “آفى جيل” شكوى للمستشارة القضائية للحكومة يتهم نتنياهو بإدخال تغييرات في محاضر الحرب، وحذف أجزاء منها للتأثير على نتائج لجنة التحقيق الرسمية التي ستُحقق في إخفاقات هجوم السابع من أكتوبر (طوفان الأقصى).
وقضية الضابط الرفيع بالجيش: وتتعلق بابتزاز مسؤولين اثنين في مكتب نتنياهو ضابطا برتبة رفيعة في الجيش الإسرائيلي، بهدف الحصول على وثائق سرية للغاية.
وهي الوثائق التي تم تسريبها لاحقا، ولكن بعد تزويرها، إلى وسائل إعلام أجنبية، حيث تقدم الضابط بشكوى لدى مكتب رئيس الأركان بهذا الخصوص.
قضية غالانت: وتعود تفاصيلها إلى 12 تشرين الأول 2023 حين كان نتنياهو يعقد جلسة مشاورات وحاول وزير الحرب غالانت الدخول لمكتبه، لكن حراس أمن رئيس الوزراء منعوه من الدخول وهذا موثق بالفيديو.
وجميع هذه القضايا يجرى التحقيق بها من قبل الوحدة 433 بالشرطة، والشاباك، ومكتب النائب العام.
وقد تم اعتقال 4 أشخاص من مكتب نتنياهو، بينهم أحد المتحدثين باسم مكتب نتنياهو ويدعى إيلي فيلدشتاين، في قضية تسريب الوثائق الأمنية من مكتبه.
وهناك حديث في صحف الاحتلال عن أن نتائج التحقيقات ربما تكون الضربة القاضية لعزل نتنياهو من منصبه بعد محاولات عدة من المعارضة.
وينص القانون الإسرائيلي على أنه لا يمكن فتح تحقيق ضد رئيس الحكومة إلا في حال صادقت على ذلك المستشارة القضائية للحكومة، لذا صادقت على ذلك.
حيث ينص البند 17 من “قانون أساس الحكومة” على ضرورة الحصول على موافقة المستشار القانوني للحكومة للتحقيق في أي قضية تنال رئيس الحكومة.
“وفي حال تطور التحقيق بشكل يربط رئيس الحكومة بقضايا أمنية، فإنه يتعين على المحققين إيقاف التحقيق إلى حين مصادقة المستشارة القضائية للحكومة على مواصلته”، وفق القانون، وعندها يجرى التحقيق مع رئيس الحكومة شخصيا.
لذا قالت مصادر قضائية لصحيفة “معاريف”، عن سبب صدور تفويض من “مياره”، رغم بدء التحقيق فعليا، إن “موافقة المستشارة القانونية يعني أن التحقيقات قد تشمل رئيس الوزراء”.
يأتي ذلك في وقت تواجه فيه حكومة نتنياهو سلسلة من الأزمات السياسية والأمنية، بما في ذلك الإقالة الأخيرة لوزير الدفاع يوآف غالانت، التي لاقت معارضة شديدة، بالإضافة إلى تصعيد حرب الإبادة المستمرة في قطاع غزة ولبنان.
وقبل التحقيق مع مكتب نتنياهو، قالت محكمة إسرائيلية، يوم 3 نوفمبر/تشرين ثان 2024، إن “من شأن التسريب أن يضر بقدرة جيش الاحتلال على تأمين إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حماس في غزة”.
“ووترغيت” إسرائيلية
بدأت “ووترغيت الإسرائيلية” في تسريب مكتب حكومة نتنياهو، أكاذيب للإعلام الغربي، ادّعى أنها “وثائق من جهاز كمبيوتر زعيم حماس يحيى السنوار”، لتبرير استمرار الحرب واحتلال محور صلاح الدين (فيلادلفيا) على الحدود المصرية.
الوثائق نشرتها صحيفتا “بيلد” في 6 أيلول 2024 الألمانية، و”جويش كرونيكل” البريطانية (حذفتها بعد تبين تزويرها)، ونقلتها وسائل إعلام إسرائيلية وعربية بينها سكاي نيوز “عربية” الإماراتية وقناة “العربية” السعودية.
الوثيقة، التي نشرتها لأول مرة صحيفة بيلد الألمانية، يوم 6 أيلول زعمت أن حماس “ضعفت عسكريا، لكنها تسعى لاستغلال أسرى الاحتلال لتأليب الشعب الإسرائيلي ضد نتنياهو بالضغط على عائلات الرهائن والجمهور الإسرائيلي”.
كما زعمت أن السنوار يريد الهرب من غزة مع عائلته، هو وبعض أنصاره، إلى إيران عبر سيناء، ويأخذ معه رهائن إسرائيليين.
وادعت الوثيقة المفبركة أن حماس “ستحاول إلقاء اللوم على إسرائيل بشأن فشل المفاوضات، وإظهار الأمر أن إسرائيل ترفض الخطط التي قدمتها أميركا للهدنة والتي وافقت عليها حماس”.
أما صحيفة “جويش كرونيكل”، اليهودية البريطانية فزعمت تحت عنوان: “خطة السنوار السرية لتهريب الرهائن إلى إيران”، أن “الوثائق التي استولى عليها الجيش الإسرائيلي والمعلومات التي تم الحصول عليها تشهد على الكيفية التي يخطط بها قائد حماس للخروج من ضائقته الصعبة”.
وكتب التقرير مراسل صحيفة “جويش كرونيكل”، إيلون بيري، الذي يعتمد على مصادر استخباراتية إسرائيلية، كما كشفت ذلك صحيفة “يديعوت أحرونوت”.
حيث نقل “بيري” في تقريره، أن السبب الحقيقي وراء عدم قدرة حماس على إطلاق سراح الرهائن، هو أنه “بقي 20 منهم فقط على قيد الحياة في غزة”، والعديد منهم محتجزون حول السنوار، “ليكونوا بمثابة درع بشري له”.
وزعم تقرير “بيري” أن مصادر استخباراتية إسرائيلية أخبرت صحيفته، بأن “خطة السنوار كانت تتمثل في تهريب نفسه، وقيادات حماس الأخرى مع رهائن إسرائيليين عبر فيلادلفيا، إلى سيناء، ومن هناك إلى إيران”، وهو نفس ما قالته “بيلد”.
وقد أزالت صحيفة “كرونيكل” اليهودية الأسبوعية، ومقرها لندن، في وقت لاحق قصص هذا الصحفي الجندي في جيش الاحتلال، من موقعها على الإنترنت وأنهت ارتباطها به.
والمفارقة أن نتنياهو استخدم معلومات “بيلد” و”جويش كرونيكل” في خطاب ألقاه في 2 أيلول 2024، وصف بـ “خطاب فيلادلفيا”.
وزعم أن هذه “وثيقة كتبها أحد قادة حماس بكل تأكيد، وقد عُثر عليها وتشمل تفاصيل إستراتيجية حرب نفسية ضد إسرائيل”، رغم معرفته المسبقة بأنها كاذبة وخرجت من مكتبه، وفق محللين فلسطينيين. (صحيفة الاستقلال)