عندما انهار نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، وجدت عائلة الأسد نفسها فجأة في مواجهة واقع جديد لم تكن مستعدة له، بعد عقود اقترن فيها اسمها بالسلطة والنفوذ والقمع والدماء. وفي مقابلة مع “بي بي سي”، كشف حافظ منذر الأسد، ابن عم بشار الأسد، أن العائلة كانت مغيبة تماماً عن هروبه قائلاً: “بشار خدع العالم وخدع العائلة بأكملها، ووضعنا في موقف محرج أمام الجميع”.
ويضيف حافظ” هذا غدر بكل المقاييس.. كان يجب أن نُبلّغ بما يحدث، لكننا اكتشفنا هروب بشار عبر الأخبار، دون أي تحذير أو فرصة لترتيب أوضاعنا”.
ومنحت روسيا الأسد اللجوء السياسي لديها بعد ساعات من فراره من دمشق على متن طائرة روسية يعتقد أنها أقلعت به بمفرده من قاعدة حميميم.
“لم يخبر أحداً، حتى أخوه ماهر، بعد مقاومة هرب إلى لبنان ثم العراق ثم إلى مطار حميميم، ومن هناك إلى روسيا، بينما كنا أنا ووسيم والعائلة مختبئين في الجبال”.
ويصف حافظ البيان الأخير المنسوب للرئيس السابق بأنه “غير دقيق تماماً”، مؤكداً أن ما ورد في البيان قد يكون صحيحاً جزئياً، إلا أن القول بعدم وجود تخطيط للخروج هو “كذب بنسبة 99 بالمئة” وأن بشار الأسد لم يساعدهم حتى بعد خروجه.
وُلد حافظ منذر الأسد المعروف بـ”حاكم الجمهورية في اللاذقية” عام 1987 وهو حفيد جميل الأسد، شقيق الرئيس الراحل حافظ الأسد وعم الرئيس السابق بشار الأسد.
كان يُنظر إليه على أنه أحد أفراد عائلة الأسد المستفيدين من الحكم، وفي تحقيق استقصائي مطول أعدّته BBC Eye، تم كشف دوره كأحد التجار الرئيسيين في هذه التجارة غير المشروعة، مما ألقى الضوء على الطريقة التي استفادت بها شخصيات نافذة من عائلة الأسد من هذه التجارة لتعزيز نفوذها الاقتصادي.
ومع ذلك، يصر حافظ، على نفي أي تورط له في هذه الأنشطة، رغم إقراره بتفشي تجارة الكبتاغون بشكل منظم من قبل الفرقة الرابعة، التي كان يرأسها ماهر الأسد، داخل البلاد.
لكن، هل ما يزال حافظ منذر الأسد على صلة بالرئيس المعزول؟ وماذا يقول عن يوم سقوط النظام؟
كشف حافظ في حديثه أن يسار إبراهيم، المستشار الاقتصادي للرئيس بشار الأسد، طلب منه تجنيد أشخاص في اللاذقية وتوفير أسلحة لهم في نفس الليلة التي سقطت فيها حماة بيد المعارضة السورية، ثم تسليمهم إلى فرع الأمن العسكري في المدينة بأسرع وقت ليلتحقوا بالجيش في حماة، قائلاً له: “جنّد الناس بأسرع وقت، ورح نبعتلك سلاح”
ومع ذلك، أكد حافظ أنه لم يتمكن من تنفيذ الطلب بسبب غياب التمويل اللازم، حيث “كانت تكلفة رواتب المجندين تقارب ستة ملايين ليرة سورية للشخص الواحد، ما صعب تأمينها في تلك الظروف، وبالتالي سقطت حمص ودمشق”.
ونشرت تقارير صحفية قبل أيام من سقوط نظام الأسد أنه كانت هناك أوامر بتجنيد مزيد من الأشخاص في عدة مناطق مع تصاعد الحملة العسكرية التي شنتها المعارضة السورية في عدة مناطق.
ويضيف حافظ: “طلبوا مني أيضاً التواصل مع تجار في المنطقة لتأمين تمويل عملية التجنيد، لكنني لم أتمكن من ذلك “.
ولم ينكر حافظ استعداد النظام للعمل مع أي تاجر لتمويل العمليات العسكرية، لأن الأهم بالنسبة له كان إيجاد تاجر ضمن هيكل الدولة، معتبراً ذلك مقبولاً.
وقال “لم نحدد أي تاجر، المهم أن يؤمن الرواتب، سواء كان في تجارة الكبتاغون أو غيرها”.
وعن وضع عائلة الأسد في تلك الفترة، يقول حافظ إنه لم يكن هناك أي تواصل مع بشار أو أي من أفراد العائلة بشأن الأحداث الجارية. وأضاف حافظ أن عائلة الأسد كانت “مهمشة تماماً”، ولم تكن على اطلاع بما يحدث خلف الكواليس، كما لم يتم إشراكها في أي من قرارات الرئاسة أو الدولة.
ويضيف: “كنت في القرداحة عندما سمعت أن الجيش يهرب، وأن الثوار استولوا على الشام ومتوجهون إلى اللاذقية، هنا أدركت أن النظام سقط”.
يدّعي حافظ منذر الأسد أنه أرسل تنبيهات عديدة للنظام قبل سقوطه، مشيرا إلى أن الوضع كان “واضحاً” قبل الانهيار.
ويقول: “كنت أتحدث مع اللواء غسان بلال، من الفرقة الرابعة التابعة للجيش السوري، وأخبره أن ما يحدث كان خطأً كبيراً. جوعتم الشعب، وكنتم تديرون الأمور حول الجمارك، وتستنزفون أموال الناس، وتحرمونهم من العمل، ما أدى إلى فقدانهم للثقة”.
ويضيف حافظ أن “النظام لم يترك أي فرصة للناس للوقوف معه بعد تصرفاته”، مؤكداً أن “لو لم يحدث هذا، لكان 80 بالمئة من الشعب معكم”.
كما أشار إلى أنه من عام 2017 حتى عام 2024، ازداد فرض الإتاوات والاستغلال ومصادرة ممتلكات المواطنين، من قبل النظام، ما أسهم في تفاقم الأزمة التي أدت في النهاية إلى انهيار حكم الأسد، بحسب قوله.
ولكن بحسب السكان المحليين، كان حافظ منذر الأسد أيضاً متورطاً في هذه الأنشطة خلال نفس الفترة.
وأعرب حافظ عن مخاوفه من احتمال تنفيذ إعدامات بحق أشخاص محسوبين على نظام الأسد، خاصةً بعد ما تردد عن مقتل عدد من المقربين من النظام عقب سقوطه، من بينهم ابن عمه سليمان هلال الأسد دون التحقق من مقتله. وأضاف: “بصراحة، لا أعلم شيئاً عن الأمر، لكن قيل لي أيضاً إنهم سيعدمونني. حتى الآن، لم يُلقَ القبض على أي منا لتنفيذ ذلك”.
وفيما يتعلق بإمكانية التفاوض مع المعارضة السورية، أكد حافظ أنه “جاهز للعدالة” ومستعد للحوار إذا كانت هناك “دولة نظامية”، مستشهداً بمثال رامي مخلوف ليؤكد أن التحديات التي واجهتها العائلة كانت أكبر من تلك التي يواجهها “الغريب”.
ويقصد حافظ بمثال رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، وضع رامي مخلوف قيد الإقامة الجبرية والضغوط التي تعرض لها من قبل النظام السوري، بما في ذلك الاستيلاء على أملاكه لصالح الدولة.
“أنا لست سياسياً ولا علاقة لي بالجيش، لقد استفدت من النظام فقط بسبب الكنية”، يضيف حافظ منذر الأسد مشيرا أن الاستفادة التي حققها من كنية “الأسد” كانت لحل مشكلة ما، أو لتدبير أمور “تهريبة تعود عليه بمنافع ماديّة”.
في رده على سؤال بي بي سي حول السجون السرية والمعتقلين، وصف حافظ السجون بالوحشية، مؤكداً أنه لم يدخل أي سجن ولا يعرف تفاصيل هذه الأماكن.
وينفي حافظ منذر الأسد، معرفته بأي معلومات أو أدلة يمكن أن تسهم في تحديد مصير المعتقلين أو المختفين قسرياً في سوريا، ويرفض المساعدة في تقديم أي معلومات قائلاً: “أنا لا أعلم بها، ولا أعلم إن كان لدينا معتقلين كهؤلاء.”
ويجادل بالقول: “لا تتحدثي معي كعسكري، أنا مدني، ولا أعرف شيئاً عن سجن صيدنايا أو غيره سوى ما يتم بثه على التلفزيون، وأتابع كأي مشاهد”.
وأضاف أن دوره العسكري مع النظام اقتصر فقط على توفير/تجنيد الأشخاص وإرسالهم إلى الأفرع الأمنية، مثل “الأمن العسكري” أو “الفرقة الرابعة”، مؤكداً أن هذه الأعمال كانت تتم تحت مظلة الدولة وبطلب منها.
وقال: “أنا مثلي مثل غيري، لم أدخل في السياسة أو الدين ولا علم لدي بالمعتقلين.”
كما أن حافظ يناقض نفسه خلال الحوار مع بي بي سي، فرغم إنكاره دخوله السجون السورية، إلا أنه يقول إن السلطات أوقفته في سجن منفرد لمدة ثلاثة أشهر و17 يوماً، تحت “ظروف قاسية” بحسب تعبيره.
وأضاف: “لم نكن أحسن من غيرنا لكننا لم نستطع الحديث”، في إشارة إلى القمع والرقابة التي مورست عليه خلال فترة احتجازه.
وأشار إلى أنه تعرض للتوقيف مرتين، الأخيرة كانت قبل نحو عامين لمدة 30 يوماً، بعد “تسريب تسجيل صوتي له وهو يشتم بشار الأسد”، مؤكداً أنه لم يتم الإفراج عنه إلا بعد “أخذ 100 ألف دولار”، دُفعت لمنصور عزام والذي كان يشغل منصب وزيراً لشؤون رئاسة الجمهورية السورية سابقاً. بحسب قوله.
وفي حديثه عن تجربته الأولى في السجن عندما كان في السابعة عشرة من عمره، ذكر حافظ أنه تم احتجازه في (سجن 215)، مضيفاً أن السبب كان الضغط على والده ليمنعه من الكتابة على الإنترنت عن ممارسات النظام السوري.
كما يرد حافظ على الاتهامات والتقارير التي طالته باستخدام “البلطجة” والعنف للسيطرة على أجزاء من مدينة اللاذقية، نافياً بشكل قاطع هذه الادعاءات، قائلاً: “لا يوجد امرأة تم اغتصابها أو أنني ابتزيت شخصاً”.
ويؤكد أن دوره كان يقتصر على التجنيد، إذ كانوا يعلنون عن فرصة التطوع والانضمام إلى الجيش، ومن ثم يتم إرسال المتطوعين إلى الجهات الأمنية المختصة.
ينفي حافظ منذر الأسد أي دور له في قمع المظاهرات التي اندلعت في سوريا في عام 2011، قائلا إنه لم يسهم بشكل مباشر في عمليات القمع التي شهدتها المناطق الساحلية آنذاك.
ويقول حافظ: “انضحك علينا في 2011، كنا موهومين وكان همنا أن نحمي أنفسنا، على أساس أن ما يحدث هو تهديد إرهابي، وأنهم سيذبحوننا ويدمرون الطائفة”.
ويشير حافظ إلى أن النظام استغل تهديد تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية كخدعة لإيهام الغير بوجود خطر حقيقي على الأمن، ما جعل كثيرين يصدقون هذه الرواية دون تمحيص. (بي بي سي)