تناول عساف زوران، زميل باحث في مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية في كلية هارفارد كينيدي، الآثار المترتبة على التحولات الجيوسياسية الأخيرة في الشرق الأوسط، وتراجع نفوذ إيران الإقليمي، والتأثير المحتمل لعودة دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة، على الدبلوماسية النووية مع إيران.
وقال زوران في مقاله بموقع warontherocks.com الأميركي إن إيران تواجه لحظة محورية، بعد الانتكاسات العسكرية والأزمات الداخلية والديناميكيات العالمية مجتمعةً التي قد تضطرها الى اتخاذ قرارات حاسمة بشأن اتجاهها الاستراتيجي، مؤكداً أن هذه التطورات تخلق فرصة لاتفاق نووي أقوى وأكثر استدامة يبدد المخاوف القديمة.
الانحدار الإقليمي لإيران
وأشار زوران إلى الضربات الشديدة التي هزت مكانة إيران الإقليمية، والتي وصفها بأنها غير مسبوقة، ومنها انهيار نظام بشار الأسد في سوريا، على الرغم من الدعم الإيراني الواسع النطاق.
وقال إن هذا الفشل أدى إلى تعطيل الممر الاستراتيجي لإيران الذي يربط طهران بلبنان عبر العراق وسوريا، مما أضعف قدرتها على دعم حزب الله وغيره من الجماعات بشكل فعال.
وبالتوازي، تكبدت حماس وحزب الله، المكونان الرئيسيان لـ”محور المقاومة” الإيراني، خسائر فادحة، فقد أدت الضربات الإسرائيلية إلى تدمير البنية التحتية العسكرية لحماس في غزة وتقليص قدرات حزب الله الهجومية في لبنان بشكل كبير.
وتتفاقم هذه التحديات بسبب الهجمات الإسرائيلية المباشرة على الأراضي الإيرانية، والتي يصفها زوران بأنها دليل صارخ على ضعف طهران، خاصة في دفاعاتها الجوية، وأدت هذه النكسات مجتمعةً إلى تآكل النفوذ الإقليمي لإيران، وتقويض استراتيجيتها المتمثلة في تطويق الخصوم من خلال القوات بالوكالة.
مفترق طرق استراتيجي
وأضاف الباحث، أن هذه التحديات تركت إيران عند منعطف حرج، مجبرةً إياها على الاختيار بين مسارين، الأول هو تسريع برنامج الأسلحة النووية، والاستفادة من الدروس المستفادة من دول مثل كوريا الشمالية التي استخدمت الردع النووي لتأمين بقاء النظام.
ومع ذلك، يحذر زوران من أن هذا النهج قد يؤدي إلى ضربات أجنبية استباقية والمزيد من العزلة، والبديل هو السعي إلى خفض التصعيد، والذي قد يقلل من التهديدات الخارجية ويخفف الضغوط الاقتصادية. ومع ذلك، فإن هذا المسار يخاطر بإضعاف صورة إيران المرنة وقد يؤدي إلى تفاقم عدم الاستقرار الداخلي من خلال تأكيد ضعفها.
عودة ترامب: فرصة جديدة
وسلط زوران الضوء على التأثير المحتمل لعودة دونالد ترامب إلى الرئاسة على المفاوضات مع إيران، مشيراً إلى أن أسلوب ترامب الدبلوماسي غير المتوقع والعدواني قد يقدم فرصة لاتفاق نووي “أطول وأقوى”.
وعلى النقيض من “خطة العمل الشاملة المشتركة” لعام 2015، التي ركزت في المقام الأول على الحد من إنتاج المواد الانشطارية، يدعو الباحث إلى اتفاق جديد يركز أكثر على حظر الأسلحة النووية بشكل دائم.
ويزعم زوران أن استعداد ترامب للنظر في الخيارات العسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية قد يشير إلى تحول في السياسة الأميركية للضغط على طهران لتقديم تنازلات ذات مغزى.
ومن خلال التنسيق مع موسكو وفرض عقوبات أكثر صرامة على الصين، يمكن لواشنطن الحد من شرايين الحياة الاقتصادية لإيران، خاصة اعتمادها على صادرات النفط إلى الصين.
اتفاق نووي أقوى
وأوضح زوران أن التوصل إلى اتفاق نووي أكثر قوة سيتطلب معالجة العديد من التحديات. أولاً، يجب أن تتحرك المفاوضات بسرعة، حيث من المقرر أن تنتهي آلية إعادة فرض العقوبات النووية التي تفرضها الأمم المتحدة على إيران في تشرين الأول 2025.
وثانياً، يجب أن يعطي الاتفاق الجديد الأولوية للتفاصيل مثل تعزيز عمليات التفتيش وإجراءات الشفافية لمنع أنشطة التسلح السرية.
علاوة على ذلك، يؤكد زوران على الحاجة إلى تقديم حوافز اقتصادية ملموسة لايران، مثل تخفيف العقوبات، لتأمين تعاونها. ومع ذلك، يحذر من التهاون في مراقبة ذلك فتنخفض قدرات الردع، بما قد يؤدي إلى تجدد الطموحات النووية. لذا يتوجب الحفاظ على “خطة بديلة” عسكرية موثوقة، وضمان دعم الدبلوماسية بالاستعداد العملياتي.
منع الانتشار النووي وتغيير النظام
ولفت زوران النظر إلى الآثار الأوسع نطاقاً لطموحات إيران النووية، محذراً من أن الفشل في كبح برنامج طهران قد يؤدي إلى انتشار نووي إقليمي وزعزعة استقرار الشرق الأوسط.
وأشار الباحث إلى أن إسرائيل، التي شجعتها النجاحات العسكرية الأخيرة، قد تفكر في توجيه ضربة استباقية للمنشآت النووية الإيرانية، على غرار ما فعلت في العراق (1981) وسوريا (2007).
وفي حين أن مثل هذه الضربة قد تؤخر تقدم إيران، يحذر زوران من أنها قد تؤدي أيضاً إلى تصعيد التوترات وزيادة زعزعة الاستقرار في المنطقة.
واختتم زوران مقاله بالتأكيد على إلحاح اللحظة الحالية، ففي حين تقدم نقاط ضعف إيران فرصة للتوصل إلى اتفاق نووي أكثر فعالية، فإن نافذة العمل تبدو ضيقة، والمخاطر عالية. (24)