تشهد الساحة اللبنانية اليوم نوعًا من الحماية الدولية غير المعلنة، حيث بات واضحًا أن واشنطن بدأت تتعامل مع لبنان كإحدى ساحات نفوذها في المنطقة، ما يفرض ضرورة الحفاظ على استقراره بدلاً من تركه عرضة للانهيار. ورغم استمرار الاعتداءات والخروقات الإسرائيلية، إلا أن السياسة الأميركية في المرحلة الحالية لم تعد قائمة على الدفع نحو مزيد من الفوضى، بل على استثمار الواقع القائم والاستفادة منه لتحقيق أهدافها الاستراتيجية بأدوات مختلفة عن السابق.
في السنوات الماضية، كان الهدف الرئيسي للضغوط على لبنان هو إضعاف حزب الله، سواء عبر العقوبات الاقتصادية أو من خلال الضغوط السياسية والدبلوماسية أو حتى عبر التصعيد العسكري الإسرائيلي. لكن مع التطورات الأخيرة، يبدو أن الأميركيين باتوا مقتنعين بأن ما تحقق من هذه الضغوط قد أدى إلى تغيير في التوازنات الداخلية، بحيث لم يعد هناك ضرورة للاستمرار في تعريض لبنان للخطر بشكل مباشر. فالمخاطر التي كانت تحيط بالساحة اللبنانية من الداخل والخارج أدت إلى إضعاف حزب الله وأثرت على قدراته الاقتصادية، وبالتالي فإن النهج الجديد يقوم على استثمار هذا الواقع بدلاً من دفع البلاد نحو مزيد من الانهيار الذي قد يخرج عن السيطرة.
إحدى النتائج المباشرة لهذه الحماية الدولية غير المعلنة هي إبعاد أي خطر فعلي عن لبنان من سوريا. فمع التغييرات الحاصلة هناك، وخاصة مع النظام الجديد بقيادة أحمد الشرع، لم يعد مسموحًا لهذا النظام أن يشكل تهديدًا للاستقرار اللبناني. فالتوازنات الجديدة تفرض أن تبقى الساحة اللبنانية بعيدة عن تداعيات الأزمة السورية، وألا يتم استخدام لبنان كورقة في الصراعات الإقليمية كما كان يحدث في السابق. هذا التوجه مدعوم بقرار أميركي واضح يقضي بتحييد لبنان عن المواجهات المباشرة، سواء مع سوريا أو أي طرف آخر.
أما التهديدات الإسرائيلية بشن حرب جديدة على لبنان، فهي تبدو غير واقعية في ظل المعطيات الحالية. فواشنطن لن تسمح بذلك، لأنها تعتبر أن العمل العسكري السابق قد أدى إلى تحقيق نتائج ليست قليلة، ولا حاجة لمغامرة جديدة قد تؤدي إلى قلب المعادلة من جديد. في المرحلة الحالية، الأولوية بالنسبة للأميركيين ليست الحرب، بل الاستثمار في ما تحقق من ضغوط سابقة وتحقيق المزيد من المكاسب عبر وسائل أخرى، سواء اقتصادية أو سياسية، بدل اللجوء إلى الخيار العسكري الذي قد تكون كلفته أكبر من مردوده. هذه المقاربة تعني أن لبنان، رغم هشاشة وضعه الداخلي، محمي بشكل أو بآخر من الانهيار الكامل أو الدخول في مواجهة عسكرية واسعة، لأن مصالح القوى الدولية الفاعلة تفرض الحفاظ على استقراره في المرحلة الحالية.