خلفيّات استئناف الحرب على غزة.. ماذا عن جبهات الإسناد؟!

19 مارس 2025
خلفيّات استئناف الحرب على غزة.. ماذا عن جبهات الإسناد؟!

فجأة، ومن دون سابق إنذار، وقع المحظور في قطاع غزة، فعادت لغة الحرب لتسود، بعد شهرين من هدنةٍ دخلت حيّز التنفيذ ليلة دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ما جعل كثيرين يعتقدون أنّها ستكون “ثابتة”، باعتبار أنّ الرئيس الأميركي القادم ليس من “هواة الحروب”، وهو وعد في حملته الانتخابية بإنهاء الصراعات، لا بالشروع بها، فإذا به في الأسبوع الأخير، يشنّ عدوانًا على اليمن، ويغطّي قرار استئناف الحرب على غزة.

 
ففي وقتٍ كان أهل غزة نيامًا، وهم يعتقدون أنّهم باتوا في مأمَن من الضربات والغارات، ولو إلى حين، وبعضهم لا يزال بلا مأوى، ويواجه حرب تجويع لا تقلّ خطرًا، اختار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن “يغدر” بهم مرّة أخرى، فقرّر في ساعات الفجر الأولى، أن يشنّ ضربات مكثّفة على مختلف مناطق القطاع، فيسجّل عدّادًا قياسيًا من الشهداء، تخطّى الأربعمئة في ليلة واحدة، بل في ساعات معدودات، معظمهم من الأطفال والنساء.
 
وكما في الجولة الأولى والطويلة من الحرب على غزة، قوبلت الضربات الوحشيّة والقاتلة، بصمت عالميّ مريب، مدفوعًا بتأكيدات المسؤولين الإسرائيليين بأنّها جاءت “منسّقة” مع الولايات المتحدة، لتُطرَح علامات استفهام بالجملة عن مصير اتفاق وقف إطلاق النار، والمفاوضات التي يقول نتنياهو إنّه يريدها “بالنار” من الآن فصاعدًا، ولكن كذلك عن مدى إمكانية فتح “جبهات إسناد”، كما في المرّات السابقة..
 
“أهداف” الحرب على غزة
 
في قراءة مشهد استئناف الحرب على غزة، تتعدّد التفسيرات والمقاربات، إذ ثمّة من يضع الأمر في خانة “محاولة الضغط” الإسرائيلية على حركة حماس، التي لم توافق على شروط تل أبيب للانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، وبالتالي فهي تندرج في خانة “ترهيب” الحركة، من أجل الخضوع، وهو ما يفسّر القصف العشوائي المكثّف الذي استهدف المدنيّين، باعتبار أنّ هؤلاء يشكّلون “نقطة ضعف” المقاومة في المقام الأول.
 
وعلى المستوى الإسرائيلي، ثمّة من يضع الأمر في خانة محاولة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تدعيم موقفه وتعزيزه، بعد تراجعه في الآونة الأخيرة، وتقدّم موقف المعارضة على حسابه، وخير دليل على ذلك أنّ قرار استئناف الحرب على غزة نجح في إعادة تظهير “وحدة الحكومة” سريعًا، خصوصًا مع عودة الوزير المتطرف إيتمار بن غفير إلى صفوفها، بعدما كان استقال منها على خلفية اتفاق وقف إطلاق النار، الذي اعتبره “علامة ضعف”.
 
وإذا كانت القراءتان السابقتان تنطويان على واقعية لا يمكن نكرانها، فإنّ العارفين يشدّدون على دور أميركي خلف ما جرى، ليس لأنّ الرئيس ترامب هدّد مرارًا بفتح أبواب “جهنّم” على القطاع إن لم تسلّم حماس “جميع” الأسرى والرهائن المحتجزين لديها، بل لأنّه وصل إلى قناعة بأنّ تحقيق رؤيته التي عبّر عنها في خطّة تهجير الفلسطينيين الشهيرة، لن يكون ممكنًا من دون عملية عسكرية واسعة، خصوصًا بعدما اصطدم بموقف عربي موحّد على رفضها.
 
ماذا عن جبهات الإسناد؟
 
تختلف هذه الجولة من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، عن حرب “طوفان الأقصى”، فالكثير من الظروف تغيّرت اليوم، بينها أنّ حركة حماس لم تعد نفسها كما كانت في السابع من تشرين الأول 2023، ولو ثبّتت صمودها في عمليات تبادل الأسرى، إذ إنّ الخسائر التي مُنيت بها كبيرة، ليس أقلّها فقدانها لكوكبة من قادتها، بينهم من أداروا عملية الطوفان، والذين أرجأت نعيهم أصلاً إلى ما بعد اتفاق وقف إطلاق النار.
 
ولعلّ ما يختلف أيضًا في هذه الجولة، أنّ “جبهات الإسناد” لا تبدو بالزخم نفسه، بل إنّ هناك من يعتقد أنّ الجبهة اليمنية التي قد تكون وحدها “في الميدان”، تبدو “مُحاصَرة” إلى حدّ بعيد، علمًا أنّ “توقيت” الهجمات الأميركية عليها، والتي أشرف عليها الرئيس دونالد ترامب شخصيًا، قبل استئناف الحرب على غزة، قد لا يكون مجرّد تفصيل، بل ينطوي على “إنذار جدّي”، وإن أصرّ الحوثيون على مواصلة فعل “الإسناد” رغم كلّ شيء.
 
أما “جبهات الإسناد” الأخرى فلا تبدو موجودة من الأساس، ومنها الجبهة اللبنانية التي كانت الأكثر فعاليّة في معركة “طوفان الأقصى”، لكنّها اليوم “مغيَّبة”، مع تغيّر المعادلات الذي ترتّب على الحرب الأخيرة، وتعديل “حزب الله” لتكتيكاته، بنتيجة ما يعتبره كثيرون “غياب القدرة” على المواجهة، أو ربما رفضه “الانجرار” مرّة أخرى إلى حرب ليست في مصلحته، علمًا أنّ هناك من يخشى من “مخطّط” إسرائيلي لإسقاط نموذج غزة على لبنان أيضًا.
 
على مرأى ومسمع من العالم، سقط مئات الشهداء والجرحى في ساعات قليلة، في مشهد “جهنّمي” أعاد إلى الأذهان مئات المجازر الوحشية التي تحوّلت إلى “روتين يومي” على مدار 15 شهرًا من الحرب على غزة. إنها المعايير المزدوجة تفرض نفسها مرّة أخرى، بغطاءٍ مثير للاستغراب من جانب دونالد ترامب، الذي قال قبل وصوله إلى البيت الأبيض إنه سينهي الحروب، فهل هكذا يريد فرض خطّته، ولو اضطر إلى استبدال التهجير بالإبادة؟!