لا يزال الشارع السوري قلقاً منذ 8 كانون أول المنصرم، رغم فرحة معظمه بسقوط النظام السوري الذي حكم البلاد لأكثر من 50 عاماً.
وفي السياق، يقول تقرير لموقع “24” الإماراتي إنّ محفزات القلق تدبو كثيرة، نسيجها دمار هائل في بيوت السوريين في مدن عدة، كانت هذه الحرب بمن شارك فيها على الشعب السوري، قد أمطرتها بالقذائف المتنوعة من البر والجو، وكذلك ثمة دمار هائل في البنية التحتية لتلك المدن والأحياء، ناهيك أن قطاع المحروقات لا يزال معلقاً ولم تستطع حكومة العهد الجديد التي تيّسر أمور الحياة أن تحرك فيه ساكناً مع قوات “قسد” الكردية التي تسيطر على منابع النفط.
وأردف: “كذلك، فإنّ قطاع الكهرباء لا يزال يراوح مكانه رغم بعض الوعود التي كان يفترض أن تتحقق، وتالياً أن تلحظ الناس تطوراً فيها من خلال ساعات وصل أكثر وتقنين أقل، لكن لا شيء من الوعود تجسّد، وما تحقق من دقائق وصل كهرباء أكثر، كان بفعل إعادة توزيع ساعات الوصل بين المدن والأحياء، ففي بعض المدن كانت بعض الأحياء تحصل على ساعات وصل أكثر من غيرها، فعمدت الإدارة الجديدة إلى المساواة بين كل الأحياء والمدن”.
وتابع: “لكن أكثر ما يقلق الشارع السوري، أولاً الأحوال المعيشية، التي ضاعف من حدتها، قرارات بعضها محقة لكن اتّخذت في وقت خطأ، في مقدمتها رفع سعر ربطة الخبز، أي تحريرها من دعم الدولة، لعدم امتلاك نتاج محلي كافٍ من القمح، وتحرير أسطوانة الغاز من الدعم وتالياً رفع سعرها ثمانية أضعاف، ورفع أجور المواصلات الداخلية والخارجية، بسبب غلاء مصادر الطاقة المستوردة، ولأن مصادرها المحلية لا تزال تحت قبضة قسد الكردية. وترافق ذلك مع صرف عدد كبير من الموظفين كانت تعمل بعقود مؤقتة، والتوقف عن صرف رواتب المتقاعدين المدنيين والعسكريين، ثم في فترة لاحقة بدأ صرف رواتب المدنيين ووعدوا العسكريين الذين تقاعدوا قبل عام 2011 بصرف رواتبهم قريباً، ناهيك أن الذين صرفوا من قطاعي الجيش والشرطة ضباطاً وصف ضباط وعناصر، من دون رواتب أيضاً إلى الآن”.
وأكمل: “أمّا ثانياً، فهي الحالة الأمنية. ولا تبدوان أنهما متلازمتين في نظر العهد الجديد! مع أن استتباب الأمن يدفع الناس الذين يمارسون أعمالاً حرة للعمل أينما كان ولساعات متأخرة من النهار، مهما تنوع العمل وتعدد، وأكثر المتضررين من سوء الحالة الأمنية هم أصحاب المحلات، في المدن التي قُسِمَتْ الأحياء فيها سابقاً بين موالية ومعارضة للنظام السوري، فمحلات الأحياء الموالية تغلق أبوابها عند الساعة السادسة مساءً وتنعدم حركة المواطنين فيها تحسباً لعمليات خطف لا تزال تحدث بين حين وآخر، بعضها لا يكون عشوائياً بل لأشخاص لهم ارتكابات سابقة في أذى سكان الأحياء المعارضة، وبعضها جرمي يرجعه البعض لسوء الأحوال المعيشية”.
وقال: “يستمر هذا الخرق الأمني رغم عدم قانونيته ويترك للأهواء الشخصية الانتقام الفردي التي تصاعد عددها، حتى شكك الجميع بتصنيفها بالحالات الفردية، إلى الحدّ الذي لم تعد تحتمل وتشكّل خطراً على وحدة النسيج المجتمعي، وهذا ما يؤكد ضرورة تأليف لجنة لتحقيق العدالة الانتقالية سريعاً والتي هي من مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي عقد مؤخراً، وهي عدالة يخشى مراقبون أن يتأجل تحقيقها كثيراً. كذلك، فإن توفير الأمن في كل المدن والقرى ليس معجزة، ويفترض تدارك خرقه، خاصة أن العهد الجديد لجأ إلى تأهيل عناصر جديدة وبدأ باستعادة بعض ضباط وعناصر من الشرطة السابقين الذين كانوا مبعدين من السلطة السابقة أو انشقّوا عنها، فلعله بهم يستعيد أمن الشارع نظراً لما يتمتعون به من خبرة عالية في ضبطه، وهذا ما ستأتي ترجمته ضرائب ستدفع من أرباح المحلات والمنشآت الصناعية لخزينة الدولة الفارغة التي سرقتها عصابة العهد المخلوع”.
وأردف: “بدأ الشارع السوري الذي كان محروماً من أي حراك مدني منذ أن قضى العهد المخلوع على منتديات ربيع دمشق في شباط 2001 ، كما توقفت لجان إحياء المجتمع المدني مع انطلاق الحراك الشعبي عام 2011 بعد 11 سنة من انطلاقتها، بدأ ينشط منذ بداية كانون الثاني الماضي في عقد العديد من الملتقيات وفي أكثر من محافظة، بهدف نشر ثقافة الحوار، والعدالة الانتقالية، والدولة المدنية، دولة المواطنة، والسلم الأهلي، وعلى الرغم من أن ذلك لم يؤطر كما يجب بعد لكن له دلالة وافية عن رغبة الناس بالمشاركة في إعادة بناء سوريا وتجلى ذلك بصيغة أقل من المتوقع بكثير، خلال مؤتمر الحوار الوطني، الذي عقد مؤخراً، ورغم كل الملاحظات التي كتبت عنه، فالناس اليوم تنتظر حكومة انتقالية ودستوراً، وترخيص أحزاب، لتنطلق بالمساهمة في البناء”. (24)