استعجال غير محسوب قد يؤدي إلى نتائج عكسية

24 أبريل 2025
استعجال غير محسوب قد يؤدي إلى نتائج عكسية


تُبدي الولايات المتحدة اليوم مستوى غير مسبوق من التسرع في تعاملها مع الملف اللبناني، حيث وضعت على طاولة السلطة الجديدة في بيروت مطلبًا واضحًا: سحب سلاح حزب الله، لكن هذه المرة ضمن مهلة زمنية محددة. هذا النوع من المطالب، في توقيته وحدّته، يعكس مفارقة لافتة. فواشنطن، التي كانت دومًا الأكثر فهمًا لتفاصيل الساحة اللبنانية وتوازناتها المعقّدة، تبدو اليوم وكأنها تتصرف بعكس هذا الفهم. المقاربة الاميركية الحالية لا تشبه ما اعتادت عليه الإدارات السابقة، وهي إما ناتجة عن جهل فعلي للإدارة الجديدة بالواقع اللبناني، أو عن محاولة سريعة لتسييل ما تعتبره إسرائيل “انتصارًا عسكريًا” على حزب الله، قبل أن يتمكن الحزب من إعادة ترميم قدراته وتنظيم صفوفه الداخلية.








حزب الله، وكما هو معروف، يمر اليوم بمرحلة إعادة ترتيب بنيته الحزبية والقيادية، وتثبيت خطوط التواصل بين القيادة والقاعدة، فضلاً عن ترميم قدراته العسكرية. وبالتالي، فإن أي فشل للمحاولات الأميركية لفرض إملاءات فورية عليه، قد تمنحه فعليًا فرصة ثمينة لترتيب أوراقه وإعادة بناء تحالفاته الداخلية والخارجية.

في جوهرها، فان المطالب الأميركية لا تستند إلى آلية تنفيذ قابلة للتحقيق، ولا تملك أدوات الضغط الكافية. ففرض سحب السلاح بالقوة يعني دفع الأمور نحو مواجهة مفتوحة بين الجيش وحزب الله، وهو سيناريو كارثي لا يخدم أحدًا، حتى الولايات المتحدة نفسها التي استثمرت لسنوات طويلة في بنية الجيش وتدريبه وتسليحه. أي تصادم من هذا النوع سيؤدي إلى انقسام المؤسسة العسكرية، ويدفع البلاد إلى فوضى داخلية وربما نحو حرب أهلية كاملة، وهو ما لا تريده واشنطن، ليس حرصًا على الاستقرار، بل خوفًا على ما بنته في المؤسسة العسكرية.

هذا الإصرار الأميركي بدأ يولّد شرخًا فعليًا داخل منظومة الحكم، تجلّى مثلاً في الخلاف العلني بين قائد الجيش رودولف هيكل ونائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس. حتى رئيس الجمهورية جوزاف عون نفسه بات في موقع غير مريح تجاه هذه الضغوط. اللافت أن هذه المقاربة الاميركية بدأت تكشف عجز واشنطن عن فرض رؤيتها حتى على أقرب حلفائها.

في النتيجة، هذه الضغوط غير الواقعية قد تؤدي إلى نتيجة عكسية تمامًا: منح حزب الله المزيد من الوقت لإعادة ترتيب صفوفه، وربما انتظار لحظة إقليمية مختلفة، قد تكون تسوية اميركية – إيرانية تلوح في الأفق، ما يجعل المطلب الأميركي اليوم يبدو كأنه، في التوقيت والخلفية، خاطئا وغير قابل للتحقيق.