سوريا الجديدة تغيّر خطابها… هل اقتربت لحظة التطبيع؟

26 أبريل 2025
سوريا الجديدة تغيّر خطابها… هل اقتربت لحظة التطبيع؟


لم يكن تصريحاً مباشراً من الرئيس السوري أحمد الشرع، لكنه كان كافياً لإعادة طرح سؤال بقي مؤجَّلاً لمدّة: هل سوريا بصدد إعادة تعريف موقعها من قضية الصراع العربي – الإسرائيلي؟ يأتي هذا السؤال بالتوازي مع تصريح عضو الكونغرس الأميركي مارلين شتوتسمان لـ “بلومبيرغ” بعد عودته من زيارة رسمية إلى دمشق، قال فيه بأنّ الرئيس السوري قد أعرب عن استعداده لتطبيع العلاقات مع إسرائيل “إذا توفرت الشروط المناسبة”.

الحديث، الذي لم يصدر أي نفي رسمي بشأنه من دمشق حتى اللحظة، انتقل بسرعة من وسائل الإعلام الأميركية والعبرية إلى القنوات العربية، مثيراً بذلك موجة من التساؤلات حول اتجاهات السياسة السورية الجديدة، خاصة في ظلّ قيادة سياسية تُعدّ حديثة العهد وتحاول فكّ الحصار السياسي والدبلوماسي المفروض على البلاد منذ أكثر من عشر سنوات.

اللافت أن هذه التصريحات تأتي في سياق سياسي مختلف تماماً عن المراحل السابقة، فالرئيس أحمد الشرع، الذي تسلّم السلطة بعد سقوط نظام الأسد، لا يملك أدوات النفوذ نفسها، ولا يطمح على ما يبدو إلى إعادة إحياء دور سوريا بوصفها مركز ثقل لمحور المقاومة، بل إن كلّ المؤشرات تُظهر، منذ تسلّمه السلطة، اتجاهه الواضح إلى البراغماتية والانفتاح الحذر، وسط محاولات لإعادة دمج سوريا في المنطقة من بوابة الاستثمار والانفتاح الاقتصادي.

من هنا، يبدو الحديث عن التطبيع، حتى وإن جاء غير رسمي، منسجماً مع مشروع أوسع يعمل الشرع على هندسته، وعنوانه الأساسي “إنقاذ الدولة”. وترى مصادر دبلوماسية رفيعة أنّ “خطاب الشّرع الداخلي والخارجي يعكس توجّهاً عملياً يضع أولوية قصوى لإعادة ترميم الدولة ومؤسساتها، لا العودة إلى استراتيجيات المواجهة القديمة أو الشعارات التي استُنزفت لعقود، إذ يظهر الرئيس الجديد حريصاً على تقديم صورة أكثر واقعية لعلاقة سوريا بمحيطها، متجنّباً الاصطفافات الحادة ومكتفياً بلغة مرنة لا تُقفل الباب أمام أي احتمال يمكن أن يخدم إعادة تموضع دمشق على الخارطة الإقليمية والدولية”.

وبحسب ما نُقل عن عضو الكونغرس الأميركي شتوتسمان، فإن الرئيس السوري لم يطرح التطبيع كخطوة مجانية، بل ربطه بشروط واضحة على رأسها وقف الضربات الإسرائيلية على الأراضي السورية، خصوصاً في الجنوب والجولان، إلى جانب رفع العقوبات الأميركية. وقد أضاف الشرع، بحسب الرواية، أن بلاده “لا تطلب المال، بل فقط السّماح لها بالتنفس”.

وتلفت المصادر إلى أنّ “هذه اللغة تذكّر بما يُعرف في علم التفاوض بـ”الرسائل الاختبارية”، حيث يُصار إلى إطلاق موقف غير رسمي بهدف قياس ردود الفعل المحلية والدولية. وبالتالي فإنّ هذه الرسائل تفتح الباب أمام إمكانية التحول، لكنها لا تلزم صاحبها بخطوة نهائية”. من هنا، يظهر واضحاً أن سقف الخطاب الذي يُنسب للشرع يبدو مدروساً، بحيث أنه لا يعرض اتفاقاً مباشراً أو يضع شروطاً تعجيزية، بل يترك مساحة للمناورة ويتحدث بلغة قريبة من المزاج الغربي، وتحديداً الأميركي، الذي يربط أي تقارب برفع العقوبات وتحقيق الاستقرار.

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم؛ هل استخدم الشرع كلامه لمجرّد الاستهلاك السياسي، أم أنه عبّر عن بداية تحوّل جدّي في السياسة الخارجية السورية؟
تقول المصادر أنّ “الجواب قد يكون كلاهما، فالشرع يُدرك حساسية هذا الملفّ محلياً وعربياً، ويعلم أن الرأي العام السوري لا يزال يحمل موقفاً تقليدياً وقوياً من إسرائيل، حتى وإن تراجعت هذه الأولوية أمام أولويات معيشية واقتصادية ملحّة. ولهذا فإن تصريحاً مباشراً حول التطبيع قد يكون مُكلفاً على المستوى الشعبي، في حين أن خطاباً مشروطاً، غير مباشر، يمكن أن يُمرَّر تدريجياً من دون أن يُحدث صدمة جماهيرية.

في المحصلة، لا يُمكن قراءة ما نُقل عن الشرع إلا في سياق التحوّل الذي تشهده سوريا بعد سنوات من الحرب والانهيار. فالنظام السابق كان يتباهى بدعمه العلني لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين، أما اليوم، الوضع بات مختلفاً بشكل جذري، إذ لم تعد سوريا لاعباً أساسياً في هذا المحور، بل بالكاد تستعيد أنفاسها. وبالتالي، فإن طرح التطبيع تجاوز فكرة كونه “خيانة” كما كان يُصوَّر في الإعلام الرسمي سابقاً، وصار يُسوّق اليوم على أنه مخرج من العزلة، وربما بوابة لإنعاش الاقتصاد والسياسة.

ومن هُنا، لا يمكن اعتبار ما نُقل عن الشّرع، إن صحّ فعلاً، اتفاق سلام قيد التشكيل، الا أنه بلا شكّ تحوّل في اللغة والموقف والأولويات. وإن كانت دمشق لا تزال تختبر الطريق، فإن مجرّد ذكر “التطبيع” من جانبها، ولو عبر طرف ثالث، يكشف أن الشرق الأوسط يدخل فصلاً جديداً تُكتب فيه قواعد اللعبة من جديد، وسوريا لا تريد حتماً البقاء خارجه.