لبنان ليس جزيرة منعزلة عن محيطه والعالم

6 مايو 2025
لبنان ليس جزيرة منعزلة عن محيطه والعالم


من يراقب ما يجري في الداخل السوري من حوادث لها خلفيات طائفية ومذهبية لا يسعه إلا أن يضع هذا السيناريو في إطاره الطبيعي، الذي له علاقة مباشرة بما بدأت به إسرائيل من مخطّطات على مستوى المنطقة بما أسماها رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو “شرق أوسط جديد” عندما حمل خارطتين للمنطقة من على منبر الأمم المتحدة قبل ساعات من إعطائه الضوء الأخضر لعملية اغتيال الأمين العام السابق لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله، والذي اعتبرها بداية “مرحلة جديدة، بدأها على أثر عملية “طوفان الأقصى”، وكأن إسرائيل كانت تتحيّن الفرصة المؤاتية لكي تنفذ ما كانت تحلم به منذ زمن بعيد.


Advertisement

]]>

وربطًا بالحوادث المتتالية في الداخل السوري فإن المفاوضات بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران بدأت تتبلور أكثر فأكثر مع توالي الاجتماعات، بما يؤذن بأن النهايات ستكون مرضية للطرفين، وبالأخص لواشنطن، التي تعتبر أن التوصّل إلى اتفاق وشيك بينها وبين طهران قد يدفع الأمور في المنطقة إلى تحقيق الشعار الذي رفعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية عندما تحدّث عن سلام شامل في هذه المنطقة المتوترة منذ وعد بلفور، الذي أطاح بكل التوازنات، التي كانت قائمة في دول المنطقة على خلفية مشروع سايس بيكو.
فإذا تمّ التوصّل إلى تفاهمات معينة بين الأميركيين والإيرانيين بالنسبة إلى أكثر من ملف عالق، ومن بينها الملف النووي، فإن التعاطي مع أزمات المنطقة سيبدأ يأخذ منحىً مغايرًا لما كان عليه الوضع على مدى عقود من الزمن، ولكن من دون أن يعني ذلك المغالاة في التفاؤل بالنسبة إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة على أساس “حلّ الدولتين”، باعتبار أن إسرائيل لا تزال تعمل من خلال جعل الحياة مستحيلة في قطاع غزة على رفض هذا الحل، مع إصرارها الدائم على تهجير فلسطينيي القطاع إلى صحراء سيناء، وهو مخطّط قديم – جديد، وبالتالي العمل على تهجير فلسطينيي الضفة الغربية إلى غور الأردن، وفلسطينيي الـ 48 إلى جنوب لبنان.
وفي رأي أكثر من محلل سياسي واستراتيجي أن حوادث الجنوب السوري لا تخرج بأهدافها البعيدة عمّا تخطّط له إسرائيل بخلفيات تقسيمية تبدأ بسوريا، التي تبدو مهيأة أكثر من غيرها للتفاعل مع هذا المخطّط التقسيمي، امتدادًا للعراق. ويُخشى أن يتأثّر لبنان بهذا المناخ الآخذ في التفاعل في سوريا. وهذا ما دفع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط إلى القيام بزيارة عاجلة للرئيس السوري الحالي أحمد الشرع، حيث أعرب له عن خشيته من أن يكون للحوادث الدامية في جرمانا وصحنايا خلفيات تتعدّى الحدود السورية، مع ما لهذه الحوادث من مخاطر على الأقليات في الداخل السوري وخارجه تمامًا كما حصل للأقليات المسيحية في كل من العراق وسوريا.
ولم يتوان وليد جنبلاط عن الاعراب عن مخاوفه من أن تمتد تداعيات ما حصل في سوريا إلى الداخل اللبناني، باعتبار أن ثمة نازحين سوريين كثرًا موالين للسلطة السورية الجديدة تعيش في مناطق فيها أكثرية درزية في جبل لبنان. فإذا لم تُعالج الأسباب التي أدّت إلى هذه الحوادث الدامية في العمق فإن الخشية، بحسب جنبلاط، من أن تدخل إسرائيل على خطّ هذه الأزمة لتنفخ في جمر التناقضات الطائفية والمذهبية بهدف اشعال حرب طائفية ومذهبية ليس في سوريا فحسب، بل في لبنان أيضًا، خصوصًا أن لديها النية الدائمة لزعزعة الاستقرار الذي تسعى إليه السلطة السورية الحالية، مع إصرار العهد الجديد في لبنان على تعميم الاستقرار الداخلي بعد أن يكون الأمن الشرعي قد أرسى حضوره وفاعليته على كامل الأراضي اللبنانية. وهذا الأمر، كما بات معروفًا لا يتناسب مع المخططات الإسرائيلية التقسيمية والتفتيتية.
ويشارك الزعيم الدرزي في هواجسه كثيرون، الذين يخشون من تطاير شرارات الاحداث الدموية في الداخل السوري إلى الداخل اللبناني، الذي بدأ يتعافى شيئًا فشيئًا بعد انتخاب العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية، وما يلقاه من دعم دولي وعربي لتنفيذ ما ورد في خطاب القسم من عهود على أرض الواقع. وقد يكون نجاح إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في جبل لبنان خطوة أولى ستليها خطوات لاحقة ومتتالية سوف تُضاف إلى ما يمكن أن يتحقق من إنجازات أمنية تبدأ من حيث القرارات، التي اتخذت في اجتماع المجلس الأعلى للدفاع، لجهة الحفاظ على الاستقرار العام ومنع أي كان بتعكيره، وخاصة من قِبل العناصر التابعة لحركة “حماس” في لبنان.