تسير الأوضاع السياسية في لبنان في مسار متقلّب وغير مستقر، وسط حالة من الترقب تخيّم على مختلف القوى السياسية. الجميع اليوم يراقب عن كثب مسارين رئيسيين يبدوان حاسمين لمستقبل البلاد في المرحلة المقبلة: الأول إقليمي ويتمثّل بنتائج المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة الاميركية وإيران، والثاني داخلي ويخصّ الانتخابات النيابية المقبلة، التي تُعتبر نقطة تحوّل جديدة في ميزان القوى.
في المسار الإقليمي، تترقّب القوى السياسية اللبنانية مصير المحادثات الأميركية – الإيرانية التي تراوح مكانها بين التصعيد والتسوية. “حزب الله” من جهة وخصومه السياسيون، لا سيما القوى المسيحية، من جهة أخرى، يراهنون كلٌّ بحسب أجندته على مخرجات هذا المسار. “فالحزب” يرى في أي اتفاق إيراني- أميركي حبل الخلاص الذي سيعيد تثبيته بقوة على الساحة اللبنانية ويمنحه شرعية سياسية مضاعفة تعيد التوازن لصالحه، خصوصاً بعد فترة من الضغوط والعزلة الدولية. أما خصوم “الحزب”، فهم على الضفة الأخرى من الرهان، ينتظرون أي تصعيد أو حتى ضربة قاصمة لإيران كي تنعكس داخلياً بإضعاف مباشر للحزب، ما يفتح أمامهم الباب لتحقيق مكاسب سياسية ملموسة ويمنحهم أوراقاً جديدة لإعادة ترتيب موازين القوى في لبنان.
ولعلّ الخطاب السياسي والإعلامي في البلاد، بشقّيه الموالي والمعارض، بات اليوم مشدوداً بالكامل إلى هذه المعادلة. فكلّ طرف يحضّر نفسه للسيناريو الذي يناسبه، ويدير معاركه الإعلامية والتحريضية في الداخل وفق رهاناته الخارجية.
أما على المستوى الداخلي، فإن الانتخابات النيابية المقبلة تمثّل محطة بالغة الأهمية، “فالثنائي الشيعي” وحلفاؤه، يعتبرون هذه الانتخابات فرصة لتأكيد شرعيتهم السياسية مجدداً وإسكات أي تشكيك بشرعية تمثيلهم الشعبي، خصوصاً بعد حملات الاتهام التي وُجّهت إليهم في السنوات الأخيرة، سواء على خلفية الأزمات الاقتصادية المتتالية أو الصراعات الإقليمية.
من جهة أخرى، فان القوى المسيحية المعارضة “للحزب” ترى في هذه الانتخابات فرصة للهيمنة على الساحة المسيحية وإعادة تثبيت حضورها بقوة داخل المؤسسات، وهي تعتبر أن هذه المعركة تتجاوز حدود البرلمان إلى ما هو أبعد، إذ إنها تريد إعادة صياغة الدور المسيحي في المعادلة الوطنية، خصوصاً في ظلّ المتغيرات الإقليمية المتسارعة.
من هنا، يبدو لبنان اليوم وكأنه عالق في دائرة انتظار مصيرية، حيث كل الأوراق معلّقة بحدثين مفصليين: مصير المفاوضات الأميركية – الإيرانية الذي سيحدد وجهة الرياح الإقليمية، ونتائج الانتخابات النيابية التي ستعيد خلط الأوراق الداخلية. وبين هذا وذاك، يستمر الجمود والضبابية، فيما الشعب اللبناني يدفع وحده ثمن الانهيار الاقتصادي والسياسي بانتظار أن تتضح ملامح المرحلة المقبلة.