فوج إطفاء بيروت، الاسم الذي ارتبط بالتضحية والبطولة منذ انفجار مرفأ بيروت، يعيش اليوم واقعًا مختلفًا تمامًا. واقع مريب، صامت، لكنه ينفجر على صفحات التواصل الاجتماعي التي تحوّلت إلى منبر الصرخة والفضيحة.
أشباح يقبضون رواتبهم… من دون أن يعملوا!
مصادر موثوقة من داخل الفوج تؤكد وجود عشرات العناصر الذين لم يظهروا في مراكزهم منذ سنوات، يعملون في مؤسسات خاصة، ويتقاضون في الوقت نفسه رواتبهم من بلدية بيروت. لا يكتفون بذلك، بل يحصلون على بدلات نقل كاملة. كل ذلك بغطاء مباشر من مسؤولين يملكون حتى بطاقاتهم المصرفية، ويسحبون رواتبهم شخصيًا.
مستودع الكرنتينا… صندوق أسود بلا مفتاح
وسط العاصمة، في مستودع ضخم بمساحة 500 متر مربع في الكرنتينا، ترقد “مساعدات عينية” غير معلومة المحتوى. لا جرد. لا قوائم. لا شفافية. والمفارقة أن أحدًا لا يعرف مصير هذه المساعدات أو لمن خُصصت.
مجلس قيادة غائب… عمدًا
بحسب الأنظمة، يجب أن يُشكّل مجلس قيادة للفوج يضم القائد وعددًا من الضباط. لكن هذا المجلس لم يُشكّل حتى اللحظة. لماذا؟ لأن تشكيله سيكسر احتكار السلطة داخل الفوج ويفتح الباب أمام ضباط نزيهين. إبقاء الأمور على حالها يخدم مصالح فئة ضيقة تتحكم بكل القرارات.
استنسابية، استيداع، وفساد مقونن
من العناصر من هو مُفرز لحماية شخصيات سياسية أو دينية منذ سنوات، وآخرون تقدّموا بطلبات استيداع وتجاوزوا المهل القانونية، دون أي محاسبة. أما أموال التدريب بالدولار التي تتقاضاها المؤسسة من جهات خاصة؟ فلا أحد يعرف أين تذهب ولا من يراقب.
كارثة إنسانية صامتة: لا طبابة!
الوجه الأكثر إيلامًا للأزمة هو غياب التغطية الصحية. بحسب شهادات لعناصر من داخل الفوج، فإن الحصول على موافقة للعلاج يتطلب “تبويس أيدي” المسؤولين أو التوسّل للمحافظ. من يعاني أمراضًا مستعصية قد يُترك لمصيره، أو يُرفض إدخاله إلى المستشفيات المتعاقدة. النتيجة؟ اقتراض أو استدانة أو الموت الصامت على أبواب المستشفيات.
بلدية بيروت: نعلم… ولا نتحرّك!
مصادر في بلدية بيروت لا تنكر ما يحدث. بل تعترف أن الوضع يتطلب تشكيلات عاجلة ومناقلات واسعة لكشف المستفيدين. لكن، وللمفارقة، لم تُجرِ البلدية أي تشكيل منذ أكثر من سنتين. لا حركة، لا محاسبة، ولا حتى نية لإعادة توزيع العناصر أو الضباط. وكأنّ المطلوب إبقاء الفوضى كما هي.
الخلاصة: الفساد يأكل قلب فوج الإطفاء
فوج إطفاء بيروت، الذي سُقي بتضحيات شهدائه، يُنهش اليوم من الداخل. الفساد صار عاديًا، والمحاسبة غائبة. وكل صرخة من الداخل تُقابل بالتجاهل أو القمع.
الكرة اليوم في ملعب وزير الداخلية، ومحافظ بيروت، والمجلس البلدي الجديد. فهل من يجرؤ على فتح هذا الملف الخطير؟ أم أننا سننتظر “حريقًا داخليًا” جديدًا، لا يعود أحد قادرًا على إخماده؟