تتصاعد المواجهة بين ايران وإسرائيل مع تواصل الهجمات المُتبادلة التي أوقعت قتلى وجرحى ودمارا كبيرا في البلدين على حد سواء، في حين تبقى السيناريوهات غير واضحة بشأن كيفية إنهاء هذا الصراع ومدته الزمنية.
الا ان استمرار هذه المواجهات لأيام أو لأشهر قد تؤثر على الاقتصاد العالمي، فقد نقلت وكالة “تسنيم” مؤخرا عن عضو لجنة الأمن في البرلمان الإيراني، إسماعيل كوثري قوله إن إغلاق مضيق هرمز هو “قيد الدراسة” وإن بلاده ستتخذ “القرار الأفضل بحزم” في حال توسع العدوان عليها أو تدخّل واشنطن مباشرة في الصراع الدائر.
ويؤكد مراقبون في هذا الإطار، أن “أي تعطيل لحركة الملاحة في مضيق هرمز ولو كان مؤقتا سيؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط والغاز مما سينعكس مباشرة على تكلفة الطاقة عالميا ويزيد حدة الاضطرابات في الأسواق المالية.”
كما انه من المتوقع أن يتأثر بشدة جراء ذلك مؤشر أبحاث السلع (سي آر بي) الذي يقيس أسعار سلة من السلع الأساسية، منها النفط والمعادن والمنتجات الزراعية، ويُعد مرآة لحالة التضخم والتقلبات الاقتصادية في الأسواق الدولية.
علما ان هذه ليست المرة الأولى التي تُهدد فيها إيران بإغلاق مضيق هرمز، فسبق أن توعدت مرات عدة بذلك خلال السنوات الماضية، فما هي أهميته؟
أحد أهم الممرات المائية في العالم
يقع مضيق هرمز بين سلطنة عُمان وإيران، ويُشكل ممراً بحرياً حيوياً يربط الخليج العربي بخليج عُمان وبحر العرب وهو أحد أهم الممرات المائية في العالم وأكثرها حركة للسفن.
يبلغ اتساعه 33 كيلومتراً عند أضيق نقطة، ولا يتجاوز عرض ممري الدخول والخروج فيه 3 كيلومترات في كلا الاتجاهين.
يضم المضيق عدداً من الجزر الصغيرة غير المأهولة أكبرها جزيرة قشم الإيرانية وجزيرة لارك وجزيرة هرمز، إضافةً إلى الجزر المتنازع عليها بين إيران والإمارات (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى).
يمر عبر المضيق نحو خمس إجمالي استهلاك العالم من النفط، أي ما يقرب من 20 مليون برميل يومياً من النفط والمكثفات والوقود.
وتصدر السعودية وإيران والإمارات والكويت والعراق، الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) معظم نفطها الخام عبر هذا المضيق، لا سيما إلى آسيا.
تنقل قطر، أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، كل غازها الطبيعي المسال تقريبا عبر المضيق، وهو ما يمثل نحو ربع استخدام الغاز الطبيعي المسال عالمياً.
ونظراً لكميات النفط الهائلة التي تعبر هذا المضيق، فإنه يتميز بكونه أهم ممر نفطي في العالم. ونظراً لمحدودية الطرق البديلة لصادرات النفط من المنطقة، يتم ضخ نحو 90 في المائة من صادرات نفط الخليج العربي عبره. وقد نقلت ناقلات النفط ما يقدر بنحو 20 مليون برميل يومياً عبر هذا الممر في عام 2022. وهو ما يمثل ما يقرب من خُمس شحنات النفط العالمية. كما يمر عبره ما نسبته 20 في المائة من الغاز الطبيعي السائل.
سمّي المضيق بـ “هرمز” لتوسّطه مملكة هرمز القديمة والتي اشتهرت باسم “باب الشرق السحري”، كما نُسبت تسميته لـ “هرمز” أحد ملوك بلاد فارس، كذلك إلى اسم الجزيرة “هرمز” الواقعة على ساحل إقليم مكران التابع لإيران اليوم.
الورقة الأخيرة بيد ايران
يُشير الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور بلال علامة عبر “لبنان 24” إلى ان “من بين أهداف الحرب التي اندلعت بين إسرائيل وايران أولا “تهذيب” طهران باتجاه منعها من استخدام سلاح “المضائق”، ثانيا كسر “الأذرع” التي كانت تستخدمها في المنطقة مثل حزب الله وحماس وجماعة الحوثي، وثالثاً تخفيض البرنامج النووي الإيراني إلى حده الأدنى بحيث لا يعود يشكل أي خطر” .
ولفت إلى ان “هذه المواضيع طُرحت أصلا في المفاوضات الأميركة ـ الايرانية وبشكل مُباشر في الفترة الأخيرة، وكان من بين الشروط الأميركية منع استخدام سلاح إقفال المضائق مثل مضيق هرمز ومضيق جبل طارق ومضيق باب المندب في اليمن”.
وتابع علامة: “من المُستبعد حاليا ان تلجأ ايران إلى إقفال مضيق هرمز حتى ولو هددت علنا بذلك، وفي حال أقدمت على هذا الأمر فسنشهد اضطرابا كبيرا في التجارة في منطقتي آسيا وأوروبا، وقد يؤدي أيضا إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير جدا مما سينعكس سلبا على إمدادات الطاقة والمواصلات والنقل والشحن وغيرها.”
وختم قائلا: “كل الدول العربية والآسيوية والأوروبية تُعاني اقتصاديا لجهة وقوعها في عجز في ميزانياتها ولا تتحمل أي أعباء إضافية، لذا اعتقد ان الإيرانيين ليسوا في وارد إقفال المضيق إلا في حال اضطروا لذلك فيكون الأمر بمثابة الورقة الأخيرة بيدهم. “
التهديدات الإيرانية السابقة
أقدمت ايران مرات عديدة في الماضي على التهديد بإغلاق مضيق هرمز، أبرزها عام 2018 عندما تصاعدت التوترات عقب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات.
وقبل ذلك، ورد تهديد كبير آخر في عامي 2011 و2012 عندما حذر مسؤولون إيرانيون من احتمال إغلاق المضيق إذا فرض الغرب عقوبات إضافية على صادراتها النفطية بسبب برنامجها النووي. ومع ذلك، لم تُنفذ هذه التهديدات على الإطلاق.
ولكن على الرغم من التهديدات المتكررة، لم تُنفذ ايران أي محاولة لإغلاق مضيق هرمز، حيث يقول محللون إنه غير ممكن من الناحية العملية، فمعظم المضيق يقع في عُمان، وليس في إيران، وهو واسع بما يكفي بحيث لا يستطيع الإيرانيون إغلاقه.
وعلى الرغم من مرور العديد من السفن عبر المياه الإيرانية، فإنه لا يزال بإمكان السفن سلوك طرق بديلة أخرى عبر الإمارات وسلطنة عُمان.
إذا تتزايد المخاوف من تصاعد المواجهات بين ايران وإسرائيل الا انه تُعقد الآمال على إمكانية التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار بينهما تجنبا لانفجار في المنطقة لا تحمد عقباه.