مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن وقف إطلاق نار بين إسرائيل وإيران، تنفّس لبنان الصعداء، ولو بحذر. فالدولة التي تعيش على حافة الانهيار السياسي والاقتصادي منذ سنوات، تجد في هذا التطور فرصة نادرة لإعادة التقاط الأنفاس، بل وربما لإعادة ترتيب الأولويات اللبنانية، خصوصًا أن لبنان هو البلد الوحيد المتجاورة حدوده مع إسرائيل قد عانى على مدى عقود طويلة من الحروب الموسمية، التي شنتّها إسرائيل ضده تحت عناوين مختلفة، متخذة من كل اعتداء ذريعة غير مقنعة، وهي تواصل اعتداءاتها اليومية منذ اللحظة الأولى لاتفاق وقف النار بينها وبين “حزب الله”، الذي التزم إلى حدود معينة ببعض بنود هذا الاتفاق، على أن يعود الحديث جدّيًا إلى البحث عن السبل المضمونة لتسليم سلاحه إلى الدولة اللبنانية، بعدما اقتنع “حزب الله” قبل غيره بعدم جدوى هذا السلاح، وبأن السلاح الشرعي هو وحده، الذي يحمي لبنان من أي اعتداء خارجي، أو من أي زعزعة للاستقرار الداخلي عبر تحريك ما يُسمّى “الخلايا الإرهابية النائمة”، وبالأخص بعد تفجير كنيسة النبي إيليا في سوريا.
Advertisement
]]>
وقد يكون لبنان البلد الأكثر تأثّرًا من الناحية الإيجابية إذا صمد وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، سياسيًا واقتصاديًا وسياحيًا وأمنيًا وانمائيًا.
من الناحية السياسية قد يكون انفتاح الجميع، ومن بينهم “الثنائي الشيعي”، على الحوار الإيجابي، والتفاهم على القواسم المشتركة بين اللبنانيين، هو الأجدى في المرحلة الحرجة، التي يعيشها لبنان، في ظل التوتر الإقليمي المستمر، الذي كان يعيق أي محاولة داخلية لمعالجة الملفات العالقة، وعلى رأسها تعطيل المؤسسات، وشلّ قدرات الدولة. فصمود وقف إطلاق النار قد يفتح نافذة لخفض التوتر الداخلي، ويمنح القوى اللبنانية مساحة للتحرك بعيدًا عن ضغط الاصطفافات المحورية. وقد يكون الهدوء الإقليمي فرصة للدفع نحو تسوية لبنانية داخلية أكثر واقعية، انطلاقًا من بدء ورشة إصلاحية حقيقية بعد أن تسلك المحادثات الثنائية بين رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وقيادة “حزب الله” مسلكًا يفضي في نهاية المطاف إلى اتفاق على آلية عملية لتسليم سلاحه.
أمّا من الناحية الاقتصادية، وتحت عنوان “عودة الثقة”، داخليًا وخارجيًا، فإن وقف إطلاق النار قد يفسح في المجال أمام عودة الاستثمارات الخارجية إلى لبنان، خصوصًا أن الحرب في المنطقة كانت تُغلق أبواب الاستثمار، وتجمد أي مبادرة خارجية تجاه لبنان. أما اليوم، فإن وقف النار، ولو مؤقتًا، وإذا صمد كما هو متوقع، قد يسمح باستئناف التواصل مع صندوق النقد والبنك الدوليين، وربما إعادة إحياء مشاريع الغاز والطاقة البحرية. ويكفي أن يترسخ شعور عام بالاستقرار لتشهد الأسواق بعض الانفراج، ولو نسبيًا، في سعر صرف الليرة وقطاعي الاستيراد والخدمات، وبالأخص إذا استطاعت الحكومة الحالية، وبالتعاون مع مجلس النواب، إطلاق ورشة إصلاحية تبدأ بخطّة التعافي وبإعادة هيكلة المصارف بعد أن رُفعت السرّية المصرفية، وبعد تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان.
أمّا سياحيًا فإن وقف النار بين إسرائيل وإيران قد يكون فرصة جديدة لإحياء الموسم السياحي، خصوصًا أن لبنان، وهو البلد الجاذب بطبيعته وتنوعه، كان على وشك خسارة الموسم السياحي بفعل مخاطر الحرب. لكن وقف إطلاق النار قد يعيد الأمل في استقطاب السياح من الخليج العربي والدول الأوروبية واللبنانيين المغتربين المنتشرين في أقاصي الأرض، خصوصًا إذا ترافق ذلك مع رسائل سياسية وأمنية مطمئنة. وقد تكون السياحة بابًا مهمًّا من بين أبواب كثيرة لإعادة تنشيط الدورة الاقتصادية.
لا شك في أن الهدنة المتوقّع لها أن تصمد ستُخفف كثيرًا من الضغط الهائل على أهل الجنوب، الذين يعانون الأمرين جراء الاعتداءات الإسرائيلية اليومية، وقد تحدّ إلى حدّ كبير من احتمالات توسع الحرب لتصل إلى الحدود الجنوبية مع الحدود الإسرائيلية، مع توالي الاستهدافات الإسرائيلية لعناصر “المقاومة الإسلامية” حتى في المنطقة الواقعة شمال الليطاني. كما تتيح هذه الهدنة للقوى الأمنية التركيز على الاستقرار الداخلي، ومكافحة الجريمة والانفلات الاجتماعي، وتساعد على إعادة تنشيط المساعدات الدولية التي كانت معلّقة بانتظار التهدئة، على أمل أن تتوصل الحكومة إلى إقرار خطة العودة المنظمة للنازحين السوريين إلى ديارهم، الأمر الذي سينعكس إيجابًا على مسرى الأحداث الداخلية، اقتصاديًا وأمنيًا واجتماعيًا.
في الخلاصة، يمكن القول بأن لبنان في حاجة أكثر من غيره إلى الهدوء الأمني كحاجة المريض إلى جرعة أوكسيجين. ووقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، إن صمد، قد يكون فرصة نادرة للبنان للنجاة من شبح الانهيار الكامل. فهل تُحسن الحكومة السلامية والقوى السياسية استثمار هذه الفرصة بعدما أضاعوا الكثير من الفرص الماضية، التي أهدروها نتيجة خلافاتهم الضيقة، والتي تبيّن أنها صغيرة جدًّا مقابل المشاكل الكبيرة، التي تعاني منها المنطقة؟