يترقّب لبنان، يوم الإثنين، زيارة الموفد الأميركي توم براك، في ظل أسئلة مفتوحة عما ما إذا كانت هذه الجولة ستشكّل بوابة دعم سياسي للبلاد أم محطة جديدة لتكريس نهج الضغوط والشروط المسبقة. فالمؤشرات الاميركية تؤكد بأن أي بحث سياسي أو اقتصادي سيبقى رهناً بتنفيذ خطة الجيش لسحب السلاح، باعتبارها المدخل الإلزامي لأي مسار تفاوضي أو إصلاحي آخر. وتبدو الزيارة، وفق مصادر سياسية، اختباراً مزدوجاً: من جهة، فرصة للبنان لإظهار جاهزيته السياسية والعسكرية لترسيخ سلطة الدولة على كامل أراضيه، ومن جهة أخرى، رسالة واضحة بأن المجتمع الدولي يضع ملف السلاح في صدارة أولوياته، وبذلك، فإن ما سيحمله باراك من رسائل وشروط سيشكل مؤشراً حاسماً لرسم ملامح المرحلة المقبلة وتحديد حدود الدور الممنوح للجيش في إعادة توزيع التوازنات الداخلية.
وتلي هذه المحطة زيارة أخرى مرتقبة للسيناتورَين الأميركيين ليندسي غراهام وجين شاهين، في سياق ضغط أميركي متصاعد لدفع لبنان إلى التقيّد الكامل بالأجندة الدولية في مقابل أي دعم أو مسعى لاستعادة عافيته السياسية والاقتصادية.
الى ذلك اتهم الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم الحكومة بتنفيذ أجندة أميركية-إسرائيلية لإنهاء المقاومة، محذراً من فتنة أو حرب أهلية، ومؤكداً أن سلاح المقاومة لن يسلم ما دام العدوان مستمراً. ودعا الحكومة لعدم زجّ الجيش في الصراع الداخلي، مشيداً بإنجازات المقاومة، ومعتبراً أن قرار نزع السلاح يهدد الأمن الوطني ويخدم المشروع الإسرائيلي.
وأعلن عن اتفاق حزب الله وحركة أمل على تأجيل التظاهر لإفساح المجال للنقاش، مؤكداً أن شرعية المقاومة تأتي من “الدماء والتحرير” لا من الحكومة. وانتقد قبول الحكومة إشادة نتنياهو بقرارها، ودعاها لطرد الاحتلال بدلاً من تجريد المقاومة من سلاحها.وذكّر بإنجازات المقاومة في منع المستوطنات والتوطين وتعزيز قوة لبنان، وأشاد بشهداء الجيش في زبقين، مؤكداً أن فلسطين ستظل البوصلة وأن الشعب الفلسطيني سينتصر.
في المقابل رد رئيس الحكومة نواف سلام على كلام الأمين العامّ لحزب الله فقال “لا أحد في لبنان اليوم يريد الحرب الأهلية، والتهديد والتلويح بها مرفوضان تماماً”. وأضاف: “الحديث عن أنّ الحكومة اللبنانية تنفذ مشروعاً أميركياً إسرائيلياً هو حديث مردود… قراراتنا لبنانية صرف، تصنع في مجلس وزرائنا ولا أحد يمليها علينا”.
وتابع سلام: “قاسم يتحدّث عن حصريّة السلاح وكأنّها مسألة جديدة. حصرية السلاح بيدّ الدولة مسألة مطروحة منذ اتفاق الطائف الذي يذكّرنا به الشيخ نعيم الآن وبميثاقيّته. نعم، حصرية السلاح بيدّ الدولة مسألة ميثاقية أساسية، وقد اتفقنا جميعا في الطائف على بسط سلطة الدولة اللبنانية بقواها الذاتية على كامل أراضيها، لكننا تأخرنا سنواتٍ وسنوات عن هذا الأمر”، مشيرا إلى أنه “لا يوجد أي حزب في لبنان مخول بحمل السلاح خارج نطاق الدولة اللبنانيّة”.
وختم موضحا: “لم يطلب أحد تسليم سلاح حزب الله إلى العدو الإسرائيلي كما يروج البعض، بل إلى الجيش الذي نرفض التشكيك في وطنيته”، قائلاً: “حذار التصرفات اللامسؤولة التي تشجّع على الفتنة”.
في المقابل قالت مصادر سياسية ان تصريحات الأمين العام لحزب الله، تأتي في لحظة شديدة الحساسية بعد إقرار الحكومة بدعم أميركي، خطة لنزع سلاح الحزب قبل نهاية العام والتي يرى فيها الحزب مشروعاً أميركياً–إسرائيلياً لتجريده من قدراته الدفاعية في ظل استمرار التهديد الإسرائيلي.
وتشير الى ان التحذير من الفتنة في هذا السياق ليس مجرد خطاب تعبوي، بل أداة ضغط سياسية لتذكير خصومه بأن فرض نزع السلاح بالقوة قد يجرّ لبنان إلى صدام داخلي، فيما استخدام عبارة “حرب كربلائية” يعكس البعد العقائدي والرمزي الذي يخاطب جمهور الحزب، ويؤكد استعداداً نفسياً وتنظيمياً لمواجهة حتى لو كانت كلفتها باهظة. وتقول المصادر إن هذه المواقف تأتي في ظل وضع دفاعي يعيشه الحزب بعد الضربات الإسرائيلية التي استهدفت قيادات ميدانية وألحقت أضراراً بترسانته، وفقدانه القدرة على تعطيل القرارات الحكومية بفعل تغيّر التوازنات الداخلية، ما يضعه أمام خطر العزلة إذا نجحت القوى الداخلية والخارجية في توحيد موقفها حول نزع السلاح.
وتشير المصادر الى ان الخطاب يجمع بين التحذير من أن المساس بالسلاح يهدد وحدة لبنان وربما يفتح الباب أمام صراع أهلي، وبين الطمأنة بأن الحزب لا يريد مواجهة داخلية في الوقت الراهن ومستعد للحوار ضمن استراتيجية دفاعية تحفظ له موقعه، في محاولة لإعادة صياغة دوره كحاجة وطنية وإقليمية ورفع سقف التهديد لردع أي تحرك لفرض نزع سلاحه بالقوة.
واكد وزير العمل محمد حيدر ان “رؤيتنا أن يتم حل مشكلة سلاح حزب الله بالحوار وليس بالقرارات٬ فنح لا نريد الوصول إلى معركة داخلية ونريد الحفاظ على بلدنا”٬ مشددا على ان “رغم التوتر العالي يجب أن نتحاور ونجد أرضية مشتركة لحل هذه الأمور”.
وتعهد قائد الجيش العماد رودولف هيكل بمواصلة الجيش أداء واجبه في ظل الاعتداءات المتكررة من جانب العدو الإسرائيلي لأن صون الوطن مهمة مقدسة تهون في سبيلها التضحيات وكان هيكل تفقد موقع انفجار مخزن للأسلحة والذخائر في وادي زبقين والذي أدى الى استشهاد 6 عسكريين لبنانيين. وعاين هيكل آثار الانفجار، واطّلع على ظروف الحادثة، وأكد أنه لا خيار أمام الجيش سوى الاستمرار في أداء واجبه في ظل الاعتداءات المتكررة من جانب العدو الإسرائيلي لأن صون الوطن مهمة مقدسة تهون في سبيلها التضحيات.
في سياق آخر، توجه وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس، إلى رئيس الجمهورية جوزاف عون والحكومة اللبنانية قائلاً: “أنتم مسؤولون عن فرض السيادة والحفاظ على اتفاق وقف النار”. وختم: “سنعمل بقوة ضد أي خرق في لبنان ولن نعود إلى السابع من تشرين الأول”.
على خط آخر تابع الجيش أمس التهديدات التي أطلقتها العشائر السورية المسلّحة باجتياح الحدود والدخول إلى الأراضي اللبنانية، وتمّ تعزيز الدوريات والرصد الليلي على امتداد الخط الحدودي. وهو على أهبة الاستعداد للتعامل مع أي حركة دخول عبر الأراضي اللبنانية.