يعتقد عدد من الديبلوماسيين المعتمدين في بيروت انّ حبراً كثيراً سيسيل عند تحليل أو توقّع النتائج المترتبة على اغتيال سليماني والأشكال المتوقعة للرد على عملية من هذا النوع، ليس نظراً الى حجم الشخص ودوره، وإنما الى مستوى موقعه في الإدارة الإيرانية. فاغتياله طاولَ شخصاً يستحق ان يسمّى مرشداً للثورة الإيرانية المصدرة خارج حدودها الجغرافية وباني مجدها ما وراء البحار. وهو شغل منصباً كان له ما يشبهه في فرنسا وبريطانيا والبرتغال وبريطانيا قبل إعلان استقلال عدد من الدول التي كانت تخضع للانتداب، وهو تقليد ما تزال تمارسه المملكة الإنكليزية في علاقاتها مع اوستراليا حتى اليوم.
لم يستذكر ديبلوماسي غربي مثل هذه المعادلة لتأكيد سِعة اطّلاعه التاريخية فحسب، ولكن للإشارة الى الحجم الذي اكتسبه سليماني في السنوات الأخيرة وظهَر جلياً انه لا يعلوه في نظام بلاده ـ بحكم قوة الأمر الواقع – سوى المرشد الأعلى للثورة الامام علي خامنئي، وليشير لاحقاً الى ضرورة ان يتحسّس كثر من القادة أصدقاء ايران في العالم أينما وجدوا في البلدان التي انتشرت فيها فصائل «الحرس الثوري» بالأسماء المحلية التي اكتسبتها هذه التجربة. فهو باني مجدها، سواء في اليمن أو في لبنان كما في سوريا والعراق التي تعيش تجربة «الحشد الشعبي» الى جانب المؤسسات العراقية العسكرية قياساً على دور الحوثيين في اليمن و»حزب الله» في لبنان.
وبناء لما تقدّم، لا يعجز الديبلوماسي عن تقديم سيناريو واحد للرد الإيراني ما لم تحصل اي مفاجأة. فالرد بتقديره لن يكون إلّا بأيد إيرانية مباشرة، وهو ما حصل أمس في قاعدة عين الأسد احتفاظاً منها بهيبتها والحد ممّا مَسّها في عملية مطار بغداد وفي منطقة تحتضن الإيرانيين بكل أشكال العطف والتسهيلات.
في هذه الأجواء، وانطلاقاً من هذه الخلفيات، انطلقت الحملة الديبلوماسية الأوروبية والاميركية في بيروت وسبقتهما الديبلوماسية الأممية بعد جولة المنسّق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش في أعقاب العملية بساعات قليلة – ورغم عطلة الميلاد الأرمنية – على كل ّمن رئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير الخارجية جبران باسيل، قبل ان يزور قصر بعبدا امس الأول مُحذّراً باسم مرجعيته الأُممية من ترددات الحادث وإمكان استخدام الأراضي اللبنانية للرد.
وبعد الحراك الأممي، رصدت حركة سفراء الولايات المتحدة الأميركية اليزابيت ريتشارد والبريطاني غريس رامبلنغ والفرنسي برونو فوشيه ما بين دوائر الخارجية والمواقع الرسمية للغاية عينها، مع إطلاق مزيد من التحذيرات من أي عمل عسكري قد يقود الى إلحاق لبنان بالمنطقة الملتهبة من حوله، فهو ساحة تخضع للمراقبة المشددة نتيجة التأثيرات الإيرانية على فريق من اللبنانيين. وفي المعلومات التي تسرّبت من هذه اللقاءات انّ السفراء الأجانب نَبّهوا بضرورة لجم أي تحرّك يقود الى توتير الساحة اللبنانية. فالبلد، بما يعانيه من مصاعب مالية واقتصادية وسياسية نتيجة فقدان الحكومة التي تدير شؤون البلاد والعباد وفي ظل سلطة تتأرجح بين حكومة تصريف اعمال مشلولة ومشروع تشكيل حكومة جديدة، ما زال متعثراً. بالإضافة الى التنبيه من مخاطر الرد المحتمل على أي عملية يمكن ان تستهدف مصالحها في لبنان تحديداً كما في المنطقة.