لقاء العجز
نحو خمسة أشهر مضت على بدء ارتفاع سعر صرف الدولار. ومع أن مفاعيله لم تكن بهذا السوء، وكان سهلاً الحد من النتائج وضبط الأسباب، إلا أن السلطة السياسية بشقّيها التشريعي والتنفيذي لم تتحرك. وكذلك مصرف لبنان المناط به الحفاظ على سلامة النقد.
وبعد 90 يوماً من نزول الناس إلى الشوارع، ارتأى أركان أزمة الدولار بحث سبل التخفيف من وقعها وحدّتها، أي التخفيف من أرباحهم والوقوف ضد مصالحهم. وحُكماً، الاعتراف بالتقصير والمسؤولية عن الأزمة. فالتقى الحاكم ونقابة الصرافين يوم الثلاثاء 14 كانون الثاني، بحضور المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم.
تأخر لقاء سلامة ونقابة الصرافين كثيراً. وعلى أي حال، اتفق الطرفان على تخفيض سعر الدولار، من دون تحديد الآليات العلمية لذلك. ليتّضح أن لا آليات علمية موجودة في الأصل. بل قرار من الصرافين بحجة آليات السوق. إذ يؤكد نقيب الصرافين محمود مراد لـ”المدن”، أن مصرف لبنان “لا يمكنه التدخل لخفض سعر الصرف”، فوحدهم الصرّافون قادرون على ذلك. لكن لحفظ ماء وجه الحاكم ستأخذ النقابة بتوجيهاته “لتضغط على الصرافين لخفض السعر. والنقابة ستراقب التزام الصرّافين بالسعر الجديد، وستتخذ اجراءات بحق غير الملتزمين”.
أما السعر الجديد، فلم يُحدَّد بعد، بانتظار اجتماع مجلس النقابة لاتخاذ القرار “ووضع الخطط الميدانية لتنفيذه”. يقول مراد. على أن خفض السعر “سيكون تدريجياً”، وسيُحدد وفقاً “لحجم المبيع. فإذا بعنا الدولار للناس على أساس 2300 ليرة، سنأخذه منهم على أساس 2250 ليرة، أي أننا سنخفّض هامش ربحنا”. لكن يأمل مراد أن يصل سعر صرف الدولار إلى 1950 ليرة، مع ترجيحه الوصول إلى 2000 ليرة.
مسؤولية مشتركة
اللقاء ذو الطابع الإيجابي ظاهرياً، لن يستطيع حل الأزمة لأنها بنيوية ومتجذرة وليست طارئة. كما أن أسبابها مرتبطة بوضع عام “ضاغط بالنسبة لسعر الصرف”، على حد تعبير وزير المال الأسبق جورج قرم، الذي يرى في حديث لـ”المدن”، أن “إجراءات المصارف والمصرف المركزي لا تُقارِب الأزمة الحقيقية، التي لم يشهد أي بلد في العالم مثيلاً لها”.
نظرة قرم للمسألة تنطلق من أن “الحاكم مسؤول عن مراقبة الصرافين، في ظل قانون يسمح له باتخاذ اجراءات تجاههم، ومع ذلك لم يفعل شيئاً”. وما يعقد الأمور أكثر، هو عدم خروج الصرافين عن توجهات مصرف لبنان، فهُم “لا يتصرفون بشكل معاكس لسياسات المصرف المركزي”.
لذلك، حتى وإن تم تخفيض سعر صرف الدولار بقرار من الصرافين، لفترة وجيزة، إلا أن ضغط الأزمة كفيل بانفلات الأمر حتى من يد الصرافين. وكل ما يحصل اليوم هو نتيجة “السياسات المتّبعة منذ عهد (رئيس الحكومة الأسبق) رفيق الحريري، وكنّا قد حذّرنا منها مراراً لكن لم يكترث أحد”.
تواطؤ ولا حماية
بالتمنّي إذن، يريد سلامة حماية ليرته المؤتمن عليها. والأمنية تلك، تقتضي تحريك مشاعر الصرافين ليتوجهوا نحو خفض هامش ربحهم. لكن ذلك يفتح الباب أمام نقاش آخر، وهو سبب ترك العملة الوطنية مكشوفة أمام قرارات قطاع خاص غير منضبط، قادر “بكبسة زر” تهديد استقرار البلد. ومن المستفيد من هذا الانكشاف؟
بوادر الإجابة عن هذا السؤال، يمكنها أن تنطلق من تحليل واقع حصول الصرافين على الدولار من المصارف، في ظل عدم تمكّن أصحاب الودائع من الحصول على الدولار. وهو ما وثّقته كاميرات عدد من المواطنين. لكن مراد وضَعَ هذا الأمر في خانة “العلاقات الشخصية بين بعض الصرافين وبعض مدراء فروع المصارف، وحسب تلك العلاقة، يسمح مدير الفرع باعطاء الصراف كمية من الدولار”. وهنا، نعود إلى المربّع الأول، وهو ضلوع القطاع المصرفي في توسيع حجم الأزمة، وسط تجاهل تام من قِبَل المصرف المركزي.