تشكل البورتريهات الذاتية التي تنجزها رادة أكبر بأسلوبها المستوحى من الفنانة المكسيكية الشهيرة فريدا كالو، وسيلة للتعبير عن الاستقلالية في مجتمعها الأفغاني المحافظ. لكن كفاح هذه المصورة والفنانة لإعلاء شأن النساء في بلادها دونه مخاطر جمة. وتعكس ملابس رادة أكبر البالغة 33 عاما طموحها إلى أن تكون جزءاً من سلالة بطولية بين شخصياتها ملكات مؤسِسات وشاعرات ونساء قويات، تصحيحاً للنظرة الغربية التي لا تزال تضع النساء الأفغانيات في مرتبة الضحايا.
وتشدد الفنانة على أن “تاريخ المرأة الأفغانية لم يبدأ في العام 2001” مع التدخل الأميركي، مضيفة “لدينا ماض طويل وغني ساهمت فيه النساء دائماً، بصفتهن ملكات أو مقاتلات”. وتذكر تحديداً في هذا الإطار الملكة جوهر شاد التي حكمت في القرن الخامس عشر ونقلت عاصمة الإمبراطورية التيمورية من سمرقند إلى هرات في غرب أفغانستان.
وتحرص رادة أكبر منذ ثلاثة أعوام على أن توجّه كل سنة تحية إلى هاتيك النساء في اليوم العالمي للمرأة، من خلال معرض تقيمه في أحد القصور الملكية السابقة في كابول.
في العام 2020 ألبست رادة أكبر في عرض ثماني دمى فساتين تذكّر بشخصيات نسائية بارزة، بينهن مثلاً مخرجة سينمائية ولاعبة كرة قدم، وفي إحدى زوايا القاعة عباءة متسخة من الشاش تحت وابل من الحجارة تخليداً لذكرى رخشانة التي رجمتها حركة طالبان بالحجارة بسبب هروبها من زواج قسري. لكن الفنانة ارتأت تنظيم المعرض هذه السنة عبر الإنترنت على موقع متحفها الافتراضي الذي يحمل اسم “أبارزانان” بالفارسية (أي “سوبر ويمن” بالإنجليزية أو “نساء خارقات”)، بسبب التهديدات الصريحة التي تلقتها.
وأمام مجموعة من الكراسي الفارغة المغطاة باللون الأبيض، تمثل الغائبين، تعدد رادة أكبر أسماء الضحايا.
وتلاحظ أن حركة طالبان تنفذ عملية تطهير عشية الانسحاب الكامل للقوات الأميركية والغربية من أفغانستان. وتقول “هدف طالبان ليس قتلنا فحسب، إذ لا يوجد الكثير منا، بل إسكات الجميع”، معتبرة أن فحوى الرسالة هو “استمر وستُقتَل”.
وكمعظم أصدقائها قللت رادة من تحركاتها وأوقفت كل أنشطتها الروتينية ثابتة المواعيد، وتقول “علينا أن نبقى على قيد الحياة وإلا فما الفائدة”.
وتعيش الفنانة بمفردها منذ عشر سنوات في شقتها، وهذا ليس شائعا جدا في بلدها، وتحظى بدعم عائلتها. فوالدها الذي توفي كان كاتب مقالات صحافية، أما والدتها فمعلمة، وكانا دائماً يدعمان بناتهما الخمس بينهنّ شقيقة رادة شهرزاد التي تترأس الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان.
وتقول رادة “كان هذا أمراً شائعاً في جيل والديّ. لم يكن المجتمع محافظاً إلى هذا الحدّ”.
وتذكّر بأن “النساء كنّ يتمتعن بقدر أكبر من الحرية في الماضي، لكن كل ذلك تغير مع وصول المجاهدين”، وهم أمراء الحرب الذين حاربوا السوفييت أولاً باسم الإسلام في ثمانينات القرن العشرين قبل أن يتقاتلوا بدافع من مصالحهم ومصالح الدول التي ترعاهم، ومنها الولايات المتحدة. وتلاحظ أن “صورة النساء الأفغانيات الآن هي صورة نساء يضعن البرقع ويتعرضن للعنف باستمرار”. وترى في المقابل أن الصورة بعد 20 عاماً من الوجود الأميركي تتمثل في أن “يتحدث الشخص بالإنجليزية وأن يلبس على النمط الغربي لكي يُنظر إليه على أنه عصري”. وتضيف “ثمة هجوم على ثقافتنا. إنه شكل آخر من أشكال الاستعمار”.
لكن من يثير غضبها قبل كل شيء هم الأجانب والدبلوماسيون والصحافيون الذين يسألونها “هل تشعر بأنها تعبّر حقاً عن المرأة الأفغانية؟”. وتعلّق على ذلك قائلة “إنه بمثابة عدم احترام وإهانة، كما لو أن قيمي وطريقة حياتي ليست ملائمة، وكما لو أنني لا أنتمي إلى هذا البلد”.
وتقول “إنها طريقة للتعاطي معي على أساس أني عقبة في طريق عملية السلام”. وتشكو قائلة “لا توجد أي ضمانة للحفاظ على الحقوق التي حصلنا عليها. هذا الاتفاق خيانة تضفي المشروعية على طالبان”.
وتعترف رادة بأنها “فقدت الأمل”. وتقول “لقد ولدت ونشأت في الحرب. منذ أن كنت طفلة ناضلت دائماً من أجل حقوقي كما علمنا والدي”. لكنها ترى أن “الاستمرار في الأمل بات صعباً اليوم، فكل يوم قد يكون الأخير. وليس هذا شعوري وحدي فحسب، بل لدينا جميعاً الشعور عينه. ماذا سيحدث غداً؟ هل سأبقى على قيد الحياة؟”. وتضيف “لقد أثّر ذلك على تركيزي وقدرتي الإبداعية، فمثل جميع الأفغان، أخاف من المستقبل”.