عون منح الروائي جبور الدويهي وسام الاستحقاق البرونزي

26 سبتمبر 2021
عون منح الروائي جبور الدويهي وسام الاستحقاق البرونزي

منح رئيس الجمهورية ميشال عون ممثلا بوزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى الروائي الراحل جبور الدويهي وسام الاستحقاق اللبناني البرونزي، تقديرا لعطاءاته الأدبية، في “تحية وفاء” أقامتها وزارة الثقافة، بلدية زغرتا اهدن، عائلة وأصدقاء المحتفى به في باحة فندق بلمون في اهدن.
حضر الاحتفال الى المرتضى، رئيس حركة الاستقلال النائب المستقيل ميشال معوض، المدير العام لشؤون للثقافية الدكتور علي الصمد، أصدقاء الراحل من أهل السياسة والثقافة والإعلام الى جانب أفراد عائلته.
وكانت كلمة لوزير الثقافة، قال فيها، “عند زيارة إهدن، يرتقي الدرب قاصدها في كل مرة مرتين: واحدة إلى القمم، وأخرى إلى القيم. وإهدن فضاء لبناني مسكون بالوجع الإنساني المزمن وبالحرية والجمال وعبق الوادي المقدس وجيرة الأعالي، فخليق بها أن تطلع على امتداد الوطن والعالم قمما من القيم”.
أضاف،”جبور الدويهي واحد من رعيل تشرب هذه الأماكن، وراح يعمر بها رواياته بطلا بطلا وموضعا موضعا. وأنت إذا قرأت “شريد المنازل” و”طبع في بيروت” و”عين وردة” و”حي الأميركان” و”اعتدال الخريف” و “مطر حزيران” و”ريا النهر” و”ملك الهند” و”سم في الهواء”، تجد أن أديبنا الراحل لم يكن إلا مؤرخا لهذه الجغرافيا اللبنانية بكل ما فيها من حجر وبشر واجتماع وافتراق، ولأحوال ناسها بكل ما فيهم من آمال وخيبات وسلام وصراعات، تأريخا حيا يبدأ من عناوين الروايات حيث تطل الأمكنة بكامل إيحاءاتها، ثم تمضي في الكشف عن نفسها من خلال تسلسل الأحداث وانقطاعها عند النهايات، ثم تحتار أنت القارىء، من هو الذي يكتب الآخر: أجبور الدويهي هو الذي يحكي قصة المكان في سياق رواياته، أم المكان هو الذي يملي عليه الأحداث ويختار الأبطال ويعقد الحبكة ويقدم الحل؟”

وتابع، “للعمل الروائي قواعد التزمها راحلنا الكبير دون أن يمنعه ذلك، وهو المتجذر في شجون المجتمع اللبناني، من اتخاذ قضايا هذا المجتمع قواعد ثابتة أدبيا وإنسانيا تحدد في العمق إطار أعماله، حتى سمي عن حق “روائي الحياة اللبنانية”، ولهذا يشعر قارئوه سريعا كم تفيض من كلماته الهموم الاجتماعية المتمادية الحضور، كأنه يكتب بالوجع لا بالحبر. “الموت بين الأهل نعاس” يشكل مثالا على الحزن الذي يغزو حروفه حين يعالج واقع الحياة اللبنانية المتصدعة بفعل الانقسامات الطائفية والسياسية والمناطقية. حزن رافق قلمه في كل ما كتب، بل ازداد سطوعا من رواية إلى أخرى وصولا الى “سم في الهواء” لأن همومنا الوطنية بكل أسف لا تنتهي. لكن هذا الحزن في الحقيقة حزن مجبول بالأمل يعلم كيف ينبعث الضوء من الظلمة والرجاء من اليأس. “شريد المنازل” هي الأحب على قلبي من رواياته نطقت بأن المحبة قادرة على إزالة جميع الفوارق في الحياة وبعدها، وأن التنوع إذا حكمته المحبة يثري، وأن جيرة المدن نسب يجمع ناسها إلى أرومة واحدة مهما اختلفت مشاربهم الثقافية والدينية. وروايته “حي الأميركان” تفضي إلى العبرة نفسها وتكشف بخاصة غنى العلاقات التي تنسجها أحياء طرابلس بساكنيها وبالوافدين إليها، وقد خبرت خلاصة ذلك شخصيا، عندما جئت في مطالع حياتي إلى الفيحاء قاضيا فأعطتني هذه المدينة وسائر مدن الشمال من الصداقات والأخوات والمودات ما لا أنساه العمر كله”.
وقال، “جبور الدويهي أهله قلمه المغموس في محبرة الواقع اللبناني، لأن يطل على الأدب العالمي إطلالة واسعة، فرشحت رواياته أو معظمها لجوائز أدبية راقية كما ترجمت إلى لغات كثيرة. هذا يثبت أهمية التشبث بالجذور، لا في الأدب فقط، بل في كل منحى من مناحي الحياة. إنها دعوة إلى شباب الجيل الصاعد أن يتمسكوا بهذا الوطن، هوية وقيما، فإن الشجرة لا تناطح السماء ولا تمد أغصانها إلى البعيد إلا متى رسخت عميقا في تربتها. ولعل المهمة الأساسية الملقاة على عاتق هذه الحكومة هي: كيف نستعيد ثقة الشباب بلبنان ليظلوا فيه ويعملوا على بنائه وطنا عصريا جديرا بطموحاتهم. صحيح أننا نلنا ثقة المجلس النيابي، لكن الثقة الحقيقية التي نسعى إليها هي تلك التي يمنحها المواطنون عندما يلمسون بأيديهم نتائج ايجابية للعمل الحكومي. أنا أعرف مقدار النقمة لدى فئة كبيرة من اللبنانيين على الأداء السياسي منذ عقود، وسعي الكثيرين إلى الهجرة من أجل العمل وطلب العيش الكريم، وأعرف الضائقة الاقتصادية التي نمر بها دولة وشعبا، وأرى جبال التحديات التي تطوقنا في بلد مشرع أمام القهر والفقر، قلوبنا عليه مسكونة بالهموم، ومعظمنا يعيش أسوأ تجارب البؤس في تاريخ لبنان الحديث، لكن قدرنا الذي لا مفر منه: أن نثق بأنفسنا وبما لدينا من كفاءات قادرة على وضع السياسات والخطط الكفيلة بإخراجنا من هذه الصعوبات القاسية، بالثبات والتضامن فيما بيننا، وبالتعاون مع الأشقاء والأصدقاء، وهذا ما نحن عليه عازمون. وبعضنا يسأل: هل يمكن إنجاز مشاريع إبداعية على مستوى الوطن، في حمأة هذه الضائقة الوطنية وهذا الشلل الخطير؟ أقول نعم، وهذا واجب بالرغم من كل التحديات الكبيرة. علينا أن نحاول. فالعطاءات الفكرية تثري وجودنا وتسهم في استعادتنا لهويتنا الثقافية، ولا محيد عن استكمال بناء ما أنجزه السابقون ومنهم راحلنا الكبير من أجل إعلاء دور لبنان الثقافي الريادي. لذلك أراني متعهدا أمامكم ببذل كل ما في وسعي لدعم جميع الجهود الثقافية للبنانيين المقيمين والمغتربين، ولإحياء المناسبات الثقافية على أفضل ما يسمح به الوضع المالي المأزوم، فإنما بالثقافة أولا يستعيد لبنان مكانته مركزا للتلاقي ومنارة تشع نورا وحضارة على المستويين العربي والعالمي”.
وقال، “في الختام، وأمامكم أيها الحضور الكرام، أشهد بأن الراحل الكبير كان ممن آمن بلبنان موئلا للفكر ومنبعا للحضارة، وأشهد أنه ممن عمل الصالحات بالنصح والإرشاد، وبالهداية الى درب المواطنية المثلى، وأنه ممن تواصى بالحق … حق الإنسان بأن يحفظه أخوه الإنسان، وأنه ممن تواصى بالصبر وقد جسده فعلا لا قولا وأصر على أن يبث أملا حتى وهو في خضم أعلى درجات الألم، الألم على وطنه ينزف، وعلى جسده يتهاوى بفعل المرض، وهذا ما تشي به روايته الأخيرة ” سم في الهواء، كما أشهد أنه ممن جاهد وإجتهد ما جعله في مصاف الأعلام الخالدين، إذ أغنى بنتاجه المخزون الثقافي اللبناني وعمق فينا نحن من قرأه الإنتماء الى لبنان الوطن ولبنان الرسالة، فالى منظمي هذا الاحتفال المهيب والمشاركين فيه أتوجه بالشكر الجزيل على إحيائهم ذكرى فقيدنا الجليلة، والى راحلنا حيث هو أتوجه بصادق المحبة وعميق التقدير مع رجائي بأن يديم الله ذكراه وأن يطيب ثراه وأن يبقى لبنان وطنا أبيا منبعا للثقافة وقبلة للمثقفين”.