للوهلة الأولى، لا يمكن أن يتخيل المرء أن يتم تنظيم معرض في هذا الشارع، ففي نهاية زقاق في حي الخليفة، جنوب القاهرة التاريخية، بين المجاري المحطمة والباعة الجائلين الذين تظهر عليهم علامات الفقر، تصادف عينيك، معرض “منين” (من أين)، للرسومات والأعمال الفنية التطريزية، الذي ينظمه دانييلي مانو، فنان من مدينة أجريجنتو، بجزيرة صقلية الإيطالية، والذي يطلق على نفسه اسم “ماني نيل كيوس” (يد الفوضى).
يقام معرض “منين” في مبنى تاريخي بحي الخليفة، منذ العاشر من فبراير الجاري، ويستمر حتى نهاية الشهر، بالتعاون مع “الأثر لنا”، وهي جمعية تعمل على الحفاظ على منطقة الخليفة الأثرية في العاصمة المصرية.
ويضم المعرض أيضا، ورشة تدريبية ينفذها الفنان الإيطالي، لنقل تقنيات الفن التطريزي للأشخاص المهتمين بهذا النوع من الفن الشرق أوسطي.
ومنذ اللحظة الأولى، أحدث معرض دانييلي مانو، ضجة كبيرة في القاهرة، إذ حضر الافتتاح أكثر من مئة زائر مصري وأجنبي.
يوضح الفنان الصقلي البالغ من العمر 36 عاما، للشبكة الإخبارية لوكالة الأنباء الإيطالية (أنسا)، “عشت في القاهرة عامين، واحدا قبل الوباء، والآخر خلال الوباء”، قبل أن يضيف، “كنت محظوظا جدا برؤية القاهرة عام 2019، إنها مدينة كبيرة، والأيام تتوالى فيها دون انقطاع، إذ يمكنك شراء بنطال في الساعة الثالثة صباحا، والجلوس على المقهى في الرابعة صباحا”.
ولكن أكثر من الجلوس في المقهى حتى الفجر، جاءت الإقامة في القاهرة لتكون فرصة جيدة لدانييلي لأخذ فنه إلى مستوى آخر، و”وضع يده على فوضى” العاصمة المصرية، لاسيما في الأحياء الشعبية.
يوضح الفنان الإيطالي، “شعرت بالدهشة أمام بعض الأشياء التي لم يسبق أن رأيتها في حياتي، ولكنها كانت بالنسبة إلى المصريين شيئا اعتياديا” متابعا، “في الواقع، رأيت الجمال في كل زاوية، في المعمار العفوي ومواقف المصريين وفي الأكشاك الموجودة في الشارع وواجهات المحلات، وفي كل شيء”.
يضيف دانييلي مانو، “يظهر المعمار الشعبي، بعض الخصائص التي تكشف عن الذكاء في القاهرة، والذي لا يوجد مثله في مكان آخر، أيضا، استخدام إضاءة الليد في الشوارع والمنازل تأخذ بعدا فنيا مهما جدا، وكانت بالنسبة إليّ مصدر إلهام، مثل باقي الأشياء في القاهرة”.
وبنظرة أجنبية ومختلفة، استطاع دانييلي تحويل هذه الفوضى في العاصمة المصرية، إلى رسومات وألواح تطريزية.
يقول مانو “يتناول موضوع أعمالي بعض الأحياء والاحتفالات ومواقف الشعب المصري التي أدهشتني بشكل إيجابي”، مشيرا إلى أنه ذهل حينما رأى التطريزات الفنية على الأقمشة التي رآها في القاهرة.
في لوحته التطريزية عن القاهرة القديمة، يمكن مشاهدة مجاري الصرف المحطمة التي تخرج منها المياه، و3 أشخاص ينامون في غرفة واحدة، أو القطط الموجودة في الشارع بشكل مركب.
يقول مانو، “الحي الشعبي لا يثير اهتمام المواطن المصري لأنه اعتاد عليه، لكن بالنسبة إليّ أنا الذي لم يقض إلا وقتا قصيرا في هذه العاصمة المزدحمة، لم يكن مكانا عاديا”.
بعد الانتهاء من العديد من الرسومات، خطرت لدانييلي مانو فكرة جديدة: ماذا لو تم تحويل الرسومات إلى فن تطريزي كالخيامية؟ وعلى الفور، ذهب دانييلي إلى إحدى الأسر التي تعمل في فن التطريز على القماش، وتتوارث المهنة من جيل إلى جيل، على مدار 400 سنة في القاهرة القديمة، لتحويل لوحاته إلى لوحات تطريزية على قماش.
لم يكتف دانييلي بتحويل بعض أعماله إلى هذا الفن، لكن الأمر كان فرصة له لتعلم تقنيات فن الخيامية.
يقول، “لقد أعطتني القاهرة فرصة لاكتشاف هذه الأسرة التي تعمل في فن الخيامية، والتي انخفض زبائنها خلال وباء كورونا، مما منحهم الكثير من الوقت لتعليمي بعض تقنيات هذا الفن”.
ورغم أن هذا الفن بدأ يفقد قيمته عند المصريين، بحسب دانييلي، إلا أنه يأمل في أن يساهم معرضه في تغيير هذا التوجه.