شو بقي من لبنان”… نموذج ضمن النيو ميلودي بعد “معقولي شي نهار

6 يوليو 2023
شو بقي من لبنان”… نموذج ضمن النيو ميلودي بعد “معقولي شي نهار

بعد فرضه صيغة جديدة للأغنية من حيث التركيبة والتوقيت خلال أغنية معقولي شي نهار،وكان ذلك بمناسبة تفجير مرفأ بيروت، حيث اختار المؤلف الموسيقي مناسبة مريرة لتمرير إبداع فريد، غريب وعجيب، ها هنا يعود بنموذج جديد ضمن النيوميلودي بطابع مسرحي ودرامي مؤكداً على نجاح إبتكاره السابق الذي أصبح متأصلاً من حيث النظرية الموسيقية (Theory) بتكرار التجربة الجديدة، موضحاً وواضعاً أسس النيوميلودي ضمن هذا العمل نفسه،مما يُسهل إستخدامها ألآن أكثر من قبل المؤلفين الموسيقيين بالكليّة والتمامية كما فعل ألأخوان رحباني في الميلودي وتبعهم الجميع.
مع الأخوين رحباني ظهرت الميلوديا بقالب أوركسترالي وتغيّر التأليف الموسيقي والكتابة الشعرية،وأصبح هناك عبء وضغط على المؤلف الموسيقي ويجب عليه إنتاج جمل موسيقية قصيرة متحابكة ومتناغمة. فكّر الأخوان رحباني في التطور على أن يقدموا للسامع أغنية قصيرة ،معبّرة يمكنهم من خلالها إيصال الرسالة بشكل سريع، واضح وبأسلوب شعري ثوري.
هذا يعني أن كلما كانت الأغنية أقصر، كلّما كان الضغط على المؤلف الموسيقي والشاعر أكبر. وهنا جاد الياس الرحباني يأتي بأغنية أوركسترالية ضمن الميلوديا لا تتعدي الدقيقتين والنصف. كما فعل أعمامه بحسب متطلبات العصر والظروف ،فكّر جاد بتأليف أغنية تكون قصيرة ومعبّرة عن الوضع الحالي اللبناني ،قاصداً إيصال رسالته بشكل سريع وواضح ويريد من خلالها أن يفهمها السامع بسرعة ،يحفظها ويرددها ،منطلقاً من نفسية السامع التي أوحت إليه وألهمته بتركيبة جديدة للأغنية. ولكن السؤال وهو: كيف تمكن المؤلف من تقديم أغنية فيها حبكة موسيقية وتناغم قوي مع هذا العدد القليل من المذاهب ،المطالع والجمل الموسيقية. فهو يريد أن يجاري العصر في الشكل غير منتقصاً من أصالته ومستواه التأليفي الراقي.
بنية أغنية شو بقي من لبنان هي سردية ومدتها دقيقتين وأربعة عشرة ثانية،أي ليس فيها رجوع إلى المذهب أو المطلع. هذا النوع ينتمي إلى المسرح الغنائي أساساً وليس فيه عدد كبير من المؤلفين الذين يتناولون القضايا الإنسانية والوطنية. البنية الموسيقية والأسلوب أوركستراليان.

هي على مقام المينور(Mineur) من بدايتها إلى نهايتها  مع إيقاع لينتو( (Lentoصناعة الوتريات.تبدأ بمقدمة موسيقية في غاية القصر ولا تتجاوز 13 ثانية مع البيانو،التشيلو والهارب ويعكسون جو من الضبابية السوداء،الحسرة والخوف من المجهول. كل جملة هي على هارموني متغيرة مع توزيع مختلف ومتدرج. يبدأ البيانو مع الغناء لغاية الجملة الرابعة في ختامها في”يا ريت بتتركوا”،ثم تتعالى وتيرة الرسالة بالأسباب المؤدية إلى هذه الحال المأساوية للوطن والذي يعكسها الغناء بشكل واضح،تدخل الوتريات عبر النقر وآلة ألأبوا((Oboe . هذا التدرج المصحوب بالوتيرة المرتفعة بين الجملة والثانية عبر الهارموني المتغيرة يُدخل آلآت إضافية في التوزيع حيث الضغط النفسي للمؤلف الموسيقي يتصاعد تفجيراً في الآلات الموسيقية بين جملة وجملة. يبدأ من البيانو مستقلاً،ثم تدخل الوتريات نقراً .ثم عزفاً مع آلآت النفخ وأخيراً يدخل الدرامز مع الريتم العسكري الأوروبي،كرمز للنفور ووصول الحالة إلى أقصى حد،فيها دعوة إلى الإنتفاضة والثورة وتغيير الواقع المرير. ألتوزيع يُشكل مقطوعة موسيقية مستقلّة ضمن كل
إنترفال، أي الآلات التي ترافق أللحن الأساسي توزيعاً على مقام الميجور في كل جملة تُشكل فيما بينها مقطوعة متناغمة مستقلّة.
الشعر وجداني ينعكس فيه الوجع ومعاناة الأرض والشعب. يتضمن تمني ويوّجه مجموعة تساؤلات عن وضع الوطن ومستقبل أبنائه. ألغناء يُضفي أبعاد على معنى الأغنية في مضمونها ورسالتها. غسان الذي إختاره جاد لأداء الأغنية زاد من وقع تأثيرها خصوصاً من ناحية شحن المستمع خاصةً عندما ترتفع الطبقة الموسيقية وتنهض الأوركسترامجتمعة( (crescendo.غسان يجمع بين الغناء الدرامي الكلاسيك وال metal Heavy للبكاء،لللوعة للحسرة للتمني للترجي وللثورة. كلّما تصعد الطبقة الموسيقية،يصرخ المغني بسؤال لمناجاة المسؤول الأول عن الوضع الذي أوصل البلد إليه: أين ومتى يصبح هناك وطناً لجميع أبنائه،وخصوصاً عند القفلة الأخيرة للأغنية حيث يجعل من صوته حاداً لآخر رمق،لعلّ المسؤول يسمع والشعب يعي والأمنية تتحقق.