زياد الرحباني: المتمرد الذي كتب تاريخ لبنان بالفن

زياد الرحباني ليس مجرد فنان؛ إنه ظاهرة ثقافية، صوت يتردد صداه في عمق الوعي اللبناني والعربي.

هو ابن الأسطورة فيروز والعملاق عاصي الرحباني، لكنه اختار أن يشق طريقه الخاص، طريقاً لا يشبه أحداً، مليئاً بالتمرد، والكوميديا السوداء، والموسيقى التي تحاكي أصوات الشوارع وصرخات الوجود.

ولد زياد الرحباني في عام 1956، ووجد نفسه محاطاً بعالم المسرح والموسيقى منذ نعومة أظافره. هذه البيئة منحته أساساً فنياً متيناً، لكنها لم تحد من رغبته في التعبير عن عالمه الخاص.

بدأ مسيرته الفنية في السبعينيات، في فترة كان لبنان يغلي بالصراعات السياسية والاجتماعية.

أول أعماله المسرحية “سهرية” (1973)، كانت بمثابة إعلان عن ميلاد فنان مختلف. لم تكن مسرحياته مجرد عروض ترفيهية، بل كانت مرآة تعكس الواقع اللبناني بتفاصيله القاسية والمضحكة.

مسرحيات مثل “نزل السرور”، “بالنسبة لبكرا شو؟”، و”شي فاشل”، لم تكن فقط أعمالاً فنية، بل وثائق تاريخية تؤرخ لمرحلة كاملة من تاريخ لبنان، حيث يمزج فيها بين الكوميديا الساخرة والعمق الفلسفي.

لم يقتصر إبداع زياد على المسرح، فهو ملحن وموسيقي من طراز فريد. مزج بين الجاز، والفولكلور اللبناني، والموسيقى الشرقية، ليخلق أسلوباً لا يمكن تقليده.

لحن للعديد من الأغاني التي أدتها والدته فيروز، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من تراثها الفني، مثل “حبيتك تنسيت النوم” و”أنا عندي حنين” و”بكتب اسمك يا حبيبي”.

موسيقاه تحمل بصمة حزينة لكنها مليئة بالأمل، تعبر عن مرارة الواقع لكنها تفتح نافذة على عالم من الخيال.

حياة زياد الرحباني مليئة بالحكايات الغريبة التي تزيد من جاذبيته وغموضه. فمن هو زياد؟

هو الشخص الذي قد يختفي عن الأنظار لسنوات، ثم يعود فجأة بحفلة مفاجئة. هو الفنان الذي لا يهتم بالبروتوكولات الرسمية، ويفضل التعبير عن رأيه بأسلوب مباشر وصادم أحياناً.

هو من يكتب، يخرج، يلحن، ويمثل، وكأن كل تفصيلة في العمل يجب أن تكون جزءاً من كيانه.

أغرب ما في زياد هو قدرته على خلق عالمه الخاص، عالم “زياديات” الذي يجمع بين الشخصيات البسيطة واللغة العامية العميقة، بين السياسة والطبقة الكادحة، بين العشق والمقاهي. هذا العالم جعل منه فناناً أقرب إلى الناس، يشبههم ويحكي عنهم.

زياد الرحباني ليس مجرد فنان، بل هو حالة وجودية، حكواتي يروي قصص لبنان التي لا تنتهي.


Posted

in

by

Tags: