المرأة اللبنانية في الاقتصاد: أسيرة الرجعية

7 مارس 2019
تبؤ النساء مراكز اتخاذ القرار ذات جدوى اقتصادية عالية
[author title=”عزة الحاج حسن” image=”https://www.almodon.com/file/getimagecustom/e05b9edf-d2ce-474e-91fd-6e64241c964a/104/118″][/author]
قد يكون لبنان نجح في كسر أحد الحواجز الموضوعة في وجه المرأة، حين خطى خطوة إلى الأمام بتعيين أول وزيرة للداخلية، ليس في لبنان وحسب بل في العالم العربي. ولكن خطوة إلى الأمام لا تلغي ولا تعوّض عن خطوات إلى الوراء، تعيق تقدم المرأة في شتى المجالات. فالمرأة في لبنان لا تزال خارج حلبة المنافسة، والمشاركة الفعلية في سوق العمل، رغم ارتقائها إلى مستويات علمية تضاهي الرجل بأشواط.

فروقات شاسعة
ولعل الأرقام خير دليل على احتكار الرجل سوق العمل في لبنان، تماماً كاحتكاره تفسير ووضع القوانين الجائرة بحق المرأة. في لبنان تتجاوز الفتيات نسبة 50 في المئة من طلاب الجامعات (الرسمية والخاصة) في حين أن النساء العاملات لا تتجاوز نسبتهن 29 في المئة فقط في مقابل 71 في المئة من الرجال.

الفروقات الشاسعة بين نسب المتعلمات والعاملات إنما تكشف عن فجوة كبيرة بين الحقلين التعليمي والمهني، ليس ذلك وحسب، فنسبة النساء المنخرطات في سوق العمل أي الـ29 في المئة غالبيتهن تتولّين مراكز متدنية من الوظائف، وقلّة منهن فقط تشاركن في إدارة المؤسسات وفي قراراتها، ولا يختلف الأمر في وظائف القطاع العام إذ يكاد يكون التواجد النسائي في الوظائف من الفئتين الأولى والثانية شبه معدوم مقارنة بالرجال.

“التمكين” والتفوق
انخراط المرأة اللبنانية في المجال الاقتصادي لا يزال محدوداً، وينعكس ذلك في حضورها ومشاركتها الشأنين السياسي والإجتماعي، فالتمكين الاقتصادي لا شك يعزز من قدرات المرأة على خوض غمار الحياة السياسية، وبالتالي في صنع القرار. من هنا، يحض باحثون على تفعيل دور النساء في الحياة الاقتصادية والعمل ومن أجل إرساء المساواة بين الجنسين في القوانين والتشريعات والسياسات العامة التي تعنى بالشأنين الاقتصادي والاجتماعي.

وإذا أخذنا بالمنطق الإقتصادي البحت نرى أن تبؤّ النساء مراكز اتخاذ القرار، ذات جدوى اقتصادية عالية، هذه النتيجة أثبتتها أحدث دراسة أجرتها مؤسسة التمويل الدولية IFC التابعة للبنك الدولي، وأعلنت عنها الأربعاء 6 آذار 2019 عشية يوم المرأة العالمي، تشير فيها إلى التأثير الإيجابي على الأداء المالي للشركات عند انضمام المرأة إلى مجلس الإدارة، وقد كشف التحليل الكمي للدراسة أن الشركات اللبنانية التي تراعي تواجد المرأة في مجالس إدارتها، تتفوق بأدائها على الشركات التي تتألف مجالس إدارتها من الرجال فقط. وأظهرت الشركات التي تضم نساء في مجالس إدارتها ضعف العائد على حقوق المساهمين أي 20.7 في المئة مقارنة مع 10.3 في المئة للمجالس المقتصرة على الرجال.

الجاذبية والجدوى
كما أن مراعاة التنوع بين الرجل والمرأة في مراكز صنع القرار، وتحديداً بين اعضاء مجالس إدارة الشركات يعزز من مصداقيتها، وفق الدراسة، وتؤدي عضوية المرأة في مجالس الإدارة إلى التركيز على هياكل إدارة الشركات، والتأثير إيجابياً على أداء مجالس إدارتها. وبالتالي تحسّن أداء الشركات وتجعلها أكثر جاذبية للمستثمرين.

غالباً ما تثبت الدراسات أن خوض المرأة اللبنانية غمار العمل الاقتصادي أكثر جدوى من الرجل. لكن رغم ذلك، لا يُفسح لها المجال في تولي مراكز قيادية إلا بنسبة محدودة. والأسوأ من ذلك، هو تعرّض النساء المشاركات في مجال إدارة الشركات والمؤهلات منهن أيضاً تأهيلاً عالياً، الى التهميش وضعف الصلاحيات والسلطات التنفيذية المخولة لهن.

وأبرز العقبات التي تواجه المرأة اللبنانية وتقف عائقاً امام توليها مناصب رفيعة في المؤسسات، خضوعها لتوقعات المجتمع حول دور المرأة، وتصوراته السلبية عن قدراتها. باختصار، تعزز الثقافة الشعبية الصورة النمطية للنساء، بوصفهن ربات منازل، وللرجال بوصفهم قادة. وهذا ما يؤدي إلى التحيّز الواعي واللاواعي ضد المرأة. وهو ما يعرقل إلى حد كبير الفرص المتاحة لها ولطموحاتها.

القيود والتمييز
ولا يختلف وضع النساء اللبنانيات كثيراً عن نظيراتهن في الدول المتأخرة من حيث القيود الاجتماعية والتعليمية والعائلية والدينية. فلا تحظى معظم النساء اللبنانيات إلا بقدر ضئيل من التشجيع أو الدعم، للحصول على درجات أكاديمية متقدمة، في المجالات التي تتطلب كفاءات خاصة. وهذا هو الحال في القطاعات التي يهيمن عليها الرجال، حيث تزيد إحتمالية انتشار تحديات مثل التمييز والتهميش والتحيز.

وتبقى حظوظ المرأة اللبنانية بالحصول على فرصتها في العمل وارتقائها إلى مناصب اقتصادية عليا أسيرة مجتمع رجعي ذكوري، لا يقيّم الكفاءات بل يمارس التمييز في كافة مناحي الحياة.

المدن