أعداد الموظفين تدوّخ البرلمان.. والحكومة تُجدّد عقودهم!

14 مارس 2019
كان نبيه برّي شديد الانزعاج وممتعضاً من قرار الحكومة تجديد عقود التوظيفات (مجلس النواب)
كان نبيه برّي شديد الانزعاج وممتعضاً من قرار الحكومة تجديد عقود التوظيفات (مجلس النواب)

[author title=”أكرم حمدان ” image=”http://”][/author]

يبدو أن “صخب” ما يُسمى مكافحة الفساد ووقف الهدر وكل المسميات الأخرى، لن يكون ضجيجه بمستوى أفعاله. الحملة ستكون على الأرجح غير ميسرة ولا سهلة، وإن كان ما يجري من توقيفات هنا وهناك، لبعض المرتكبين، أمر محبب ومطلوب ومؤيَّد من المواطن، الذي يتمنى أن يثق بما تقوم به السلطة السياسية في هذا المجال.

تناقض صارخ
ما يستدعي هذا الكلام هو ما أثاره رئيس مجلس النواب، نبيه بري، عن تمرير الحكومة، في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، قراراً يقضي بتجديد التعاقد مع الموظفين في الإدارات والمؤسسات العامة، بينما لجان المجلس النيابي، وخصوصاً لجنة المال، ما زالت تُدقق و”تنكش” بأرقام هؤلاء وتوزعهم على هذه الوزارات والإدارات، ومدى مخالفة وجودهم للقانون (قانون سلسلة الرتب والرواتب الصادر عام 2017)، وهل قرار التجديد يشمل الجميع أم أنه فقط ما قبل العام 2017 وصدور قانون السلسلة الذي يجري التدقيق بتبعاته؟ وهل هذا تناقض صارخ بين الحكومة ومجلس النواب؟

جاء هذا الموقف لبري، بعد أقل من 24 ساعة على المواقف التي كان أطلقها رئيس الحكومة، سعد الحريري، من القصر الجمهوري في بعبدا، بعد لقائه الرئيس ميشال عون، والتي جزم فيها بتوافق الرؤساء الثلاثة والأحزاب والقوى السياسية كافة على رفع الغطاء عن أي مرتكب أو مرتشٍ.
الأمر الذي يطرح تساؤلات عما إذا كان الأمر “توزيع أدوار” أو تواطؤ مشترك.

امتعاض بري
يؤكد النواب الذين التقوا الرئيس نبيه بري لـ”المدن” أنه كان شديد الانزعاج وممتعضاً من قرار الحكومة تجديد عقود التوظيفات، وخصوصاً للمتعاقدين والأجراء والمياومين، لأن في ذلك ما يسميه بري التفافاً على دور المجلس الرقابي، فكيف يكون المجلس ولجانه يمارسون الرقابة على عمل الحكومة، ومدى انسجامه مع القوانين ومراعاتها، وتقدم الأخيرة على خطوة قد تكون فيها مخالفة للقانون؟

لكن ما هدأ روع بري ،الذي وصل به الأمر للقول أمام النواب أنه “لو كان الرئيس سعد الحريري في البلد لكنت اتصلت به، وأبلغته اعتراضي الشديد على هذا القرار، وربما بلغة عالية”، هو حضور وزير المالية علي حسن خليل، الذي تولى شرح حيثيات هذا القرار موضحاً أنه لا يشمل الذين تم التعاقد معهم بعد قانون السلسلة 46\2017 وإنما ما قبل العام 2017 وهو “روتيني إداري”، خصوصاً وأن أكثرية موظفي الدولة هم من المتعاقدين والأجراء والمياومين.

الموازنة والإصلاح
وفي سياق ليس ببعيد، أكد بري “أن الأولوية والمعركة الأساسية اليوم هي إقرار الموازنة في مجلس الوزراء، وإحالتها إلى المجلس النيابي في أسرع وقت”، معتبراً “إن حسم هذا الاستحقاق هو أساس في الإصلاح المالي ومحاربة الهدر”.

وجدد وعده بأنه سيدعو إلى جلسة أسئلة وأجوبة لمساءلة الحكومة، وقد أصبح لديه حتى الآن 17 سؤالاً نيابياً موجهاً للحكومة.
وشدد على أن “الكفاءة يجب أن تكون المعيار، والكفاءة فقط  في إعلان نتائج مباراة بعض الوظائف”.

عضو “اللقاء الديموقراطي”، النائب الدكتور بلال عبدالله، الذي كان أول من كشف إنزعاج بري من قرار تجديد العقود، أبلغ “المدن” أنه لم يكن على علم بهكذا قرار، و”بمعزل عن وجود كل الكتل النيابية أو غالبيتها في تركيبة الحكومة، وكيفية مرور هذا القرار، فإن المطلوب مراعاة دور المجلس النيابي الرقابي وعدم تجاهله”.

وليس بعيداً عن التساؤلات حول حرب “مكافحة الفساد”، برز من المواقف تغريدة رئيس لجنة المال والموازنة، النائب ابراهيم كنعان، عبر حسابه على “تويتر” بالقول: “منعاً للتسييس، وحماية للعمل الإصلاحي الجدي، الذي باشره المجلس النيابي، أعيد التأكيد بأن المعلومات والأرقام التي يتم تداولها حول التوظيف، والتي وردت من هيئات الرقابة، لا تزال في مرحلة التدقيق قانونياً، إلى حين صدور تقرير اللجنة النهائي بعد إحالة جميع الإيضاحات المطلوبة”.

هذه التغريدة وما كان سبقها من إعلان عن أرقام في جلسات واجتماعات سابقة للجنة المال وغيرها، ربما تؤشر إلى التماشي مع التوجه نحو إيجاد المخارج والحلول لهؤلاء الموظفين قبل أو بعد قانون السلسلة..

البعد الإنساني!
وانعكست هذه الأجواء أيضاً، في تصريحات رئيس لجنة الإعلام والاتصالات، النائب حسين الحاج حسن، الذي نقل التزام وزيرالاتصالات ومدير عام أوجيرو بوقف التوظيف في أوجيرو. وبالتالي، في وزارة الإتصالات. والالتزام في المسار العام الحالي لوقف التوظيف، ودراسة التوظيف في ما بعد، وفقاً للحاجات، والتوظيف بالمباراة، من دون تدخلات سياسية أو محسوبيات.

وردا على سؤال عن الذين تم توظيفهم مؤخراً في وزارة الإتصالات، قال الحاج حسن: “هناك آلاف الموظفين الذين دخلوا بعد إصدار قانون السلسلة خلافاً للقانون. هؤلاء الموظفون يجب أن يتم درس واقعهم، وكيفية التعاطي مع هذا الملف، الذي يتعلق ببعدين، بعد قانوني وبعد إنساني. أي الاعتراف بواقعهم كموظفين، أو ما يعرف بالحقوق المكتسبة في بعض الأحيان. هذا الموضوع يحتاج إلى دراسة داخل كل كتلة، وداخل المجلس النيابي، ليبنى على الشيء مقتضاه وحتى يكون هناك موقف واقعي ومنطقي من هذا الأمر”.

بمعزل عن قرار الحكومة تجديد العقود للموظفين وروتينيته، وما إذا كان يشمل ما قبل أو بعد العام 2017، يبدو أن وتيرة ما يُسمى بالإصلاح ومكافحة الفساد ووقف الهدر، لن تعود بعقارب الساعة إلى الوراء. وخير دليل هو التفتيش عن مخرج لـ500 موظف في شركتي الخلوي، الذين يتقاضون رواتبهم بلا عمل.
وعلى كل حال، ما لا يجب أن ننساه، أن مجلس الوزراء يضم ممثلي كل كتل مجلس النواب، وما التناقض الذي يظهر بينهما إلا من غرائب نظامنا “التوافقي”.