مصرف لبنان يتدخل لتأمين الدولار لاستيراد القمح والمحروقات والدواء: فهل تنحسر الأزمة؟

30 سبتمبر 2019


بعد أسبوع من الهلع عاشه اللبنانيون على خلفية الشائعات عن تدهور الليرة مقابل الدولار، وما خلّفته من تهافت للحصول على الدولار بحاجة ومن دون حاجة، يُتوقع أن تتراجع حدّة الأزمة خصوصَا في ظل التعميم المنتظر صدوره عن مصرف لبنان، لتنظيم عمليات تمويل استيراد ثلاثية السلع الإساسية من محروقات وطحين ودواء، على أن تعمد الحكومة إلى اتخاذ إجراءات لتنظيم إدارة السيولة.

بانتظار بلورة الحلول، سلسلة تساؤلات تفرض نفسها بغية استيعاب ما حصل وما قد يحصل لاحقًا. هل سنكون أمام أزمة دولار من الآن وصاعدًا ؟ هل المؤشرات النقدية تدل أنّ الليرة بخطر؟ لماذا لم يتدخل مصرف لبنان لضبط السوق طالما أنّه يملك إحتياطًا كبيرًا من العملات الصعبة؟ ولماذا ارتفع الطلب على الدولار في الآونة الأخيرة؟ ولماذا علّقت المصارف عمليات التحويل من الليرة إلى الدولار؟ وهل الخلفيات المالية فقط تقف وراء ما حدث أم هناك خلفيات سياسية أيضًا؟ وما قصة تهريب الدولارات إلى سوريا؟

الأكيد أنّ الليرة ليست في خطر في المدى المنظور” بهذه العبارة وصّف الخبير الإقتصادي الدكتور غازي وزني الواقع مضيفًا “هناك نقص في الدولار بالنقدي لدى الصرافين، وليس لدى المصارف، بحيث أنّ 72 % من الودائع بالدولار أيّ أكثر من 120 مليار دولار.”

إذن لماذا المصارف لا تلبي حاجة السوق؟

يجيب وزني مفرّقًا بين النقص بالدولار النقدي والشح “هناك نقص، وما يجري عبارة عن إدارة السيولة بالدولار في الوقت الراهن لحماية الإستقرار النقدي والحفاظ على الموجودات من الدولار، وهذا هو مرتكز العمليات في المصارف بإنتظار تحسّن الأوضاع“.

أزمة الدولار وفق مقاربة وزني  تكمن في التعامل النقدي بما لا تتجاوز عملياته 2% من إجمالي العمليات المالية والمصرفية في لبنان. “أمّا أسباب الأزمة فمردّها إلى أجواء القلق والخوف والإشاعات عند المواطنين ومواقف المصارف، ما جعل المواطنين يتهافتون لتأمين الدولارات وتكديسها، بحيث بلغت الأموال المودعة لدى المواطنين ما بين مليار و800 مليون وملياري دولار نقدًا. والسبب الأهم يكمن في توجّه المستوردين إلى المصارف لتأمين الدولار في عمليات الإستيراد، خاصة في قطاع المحروقات الذي يحتاج سنويًا إلى ما يفوق الملياري دولار، والدواء الذي يحتاج  إلى مليار و 300 مليون دولار سنويًا، والطحين الذي يحتاج إلى أكثر من مليار دولار سنويًا. يضاف إلى ذلك المضاربة بين الصيرافة الذين يعمدون إلى الإستفادة في مثل هذه الظروف، فضلًا عن الضغوطات الخارجية وتداعيات العقوبات الأميركية، وكلّها عوامل خلقت أجواءً من القلق والخوف، وأدّت إلى تراجع التدفقات المالية وخروج الودائع“.

شهدت الآونة الأخيرة ارتفاعًا في عمليات الإستيراد، وهو أمر ملفت يقول وزني أن ترتفع عمليات الإستيراد في البلد بنسبة 10% في الأشهر الستة الأولى من السنة، لا سيّما في ظل التباطؤ الإقتصادي، ولجم الإستيراد سيشكّل عاملًا أساسيًّا لضبط ارتفاع اسعار صرف الدولار في سوق الصيرفة، وفي الوقت نفسه سيؤدي إلى حماية الإستقرار النقدي.

الإجراء الذي لجأت إليه الحكومة في المدى المنظور قضى بتأمين الدولار لتمويل استيراد المحروقات والطحين والدواء، وفي ذلك يرى وزني أنّ  منطلق الحل بدأ من خلال توسيع دور مصرف لبنان، بحيث أنّ مسؤوليته تكمن في  حماية الإستقرار النقدي وليس من واجباته تمويل الإستيراد، ولكن في الظروف الراهنة سيعمد مصرف لبنان في التعميم المرتقب تنظيم عملية تمويل استيراده السلع الثلاث.

ولكن هل هذا الإجراء هو بداية فك الإرتباط بين الليرة والدولار بطريقة غير معلنة؟

“على العكس من ذلك، تنظيم هذه العملية سيجعل المصرف المركزي يضبط الموضوع، بحيث لا يلجأ بعدها مستوردو هذه السلع الإستراتيجية والحيوية إلى سوق الصرّافين الأمر الذي أدى إلى نشوء سوق سوداء”.