بعد قرار نقل كلفة فائدة الدين العام لـ’المركزي’.. لبنان أمام خطر التضخّم!

27 أكتوبر 2019

تحت عنوان: “خدمة الدين العام: إعادة الجدولة… لمصلحة المصارف”، كتبت ليا القزّي في صحيفة “الأخبار”: الاقتطاع من رواتب النواب والوزراء، تقليص نفقات السفر، وقف النفقات الاستثمارية… “حلولٌ إصلاحية” تُصرّ السلطة عليها، هرباً من التصويب على مكمن الخلل الأساسي في الموازنة العامة: الفوائد المرتفعة على الدين العام، التي تؤدي إلى تقويض الاقتصاد المحلي. من راكم أرباحاً عامة لأكثر من 20 سنة يرفض أن يُساهم في تخفيف العجز.

5000 عائلة لبنانية تُسيطر على الاقتصاد. 8% من الحسابات المصرفية يتركز فيها 85% من الودائع. 40% من القطاع المصرفي يملكها سياسيون أو أقارب لهم. احتكارات في مختلف القطاعات… يٌقدّم الأستاذ المُشارك في الاقتصاد في الجامعة الأميركية ــــ بيروت، الدكتور جاد شعبان هذه الأرقام، ليخلص إلى أنّ “الكتلة السياسية هي، بمعظمها، الكتلة نفسها المسيطرة على الاقتصاد. يحكم البلد كارتيل يُريد المحافظة على مصالحه الموجودة في القطاع المصرفي”. وفي الوقت نفسه، المصارف والمصرف المركزي “يُقرضون الدولة”. 63 مليار دولار، هي تقريباً قيمة القروض من البنك المركزي والمصارف للحكومة. إذا حُسمت ودائع القطاع العام والدين العام الذي يحمله مصرف لبنان والمؤسسات العامة والقروض المُيسّرة من الدول والمؤسسات الأجنبية، فسنتخلص من أكثر من نصف الدّين الحكومي (قرابة 46 مليار دولار). المبلغ المُتبقي، وهو قرابة 39 مليار دولار، فيتعيّن التفاوض مع المصارف لإيجاد حلّ لها. (“الأخبار” عدد 18 شباط 2019).

في موازنة الـ 2020، يُتوقّع أن تبلغ فوائد الدين العام نحو 6.1 مليارات دولار، أي ما نسبته 36% من مجمل النفقات و48.5% من الإيرادات. “خدمة الدين هي الفساد بحدّ ذاته. من غير المعقول أنّنا في نظام يُقرّر الحاكم (السياسي/ المصرفي) نسبة الفائدة التي يريد أن يدفعها لنفسه، خفضها لن يكون في مصلحته”.
مع تباطؤ النمو الاقتصادي في لبنان، واستمرار الدين العام وخدمته في الارتفاع، هل بحثت السلطة السياسية مرّةً في ما إذا كان خفض الفائدة على الدين الحكومي قد يُشكّل حافزاً لنموّ الاقتصاد، بدل أن تستمر في تصوير مُجرّد التفكير به كما لو أنّه مسٌّ بذات إلهية؟ أزمة الدين العام، واقع خطيرٌ، وإرهاقها للاقتصاد المحلي جدّي، لا كما يُحاول المستفيدون من تضخّم كلفته تصويره كمُجرّد “تصويب إيديولوجي” على القطاع المصرفي والنظام الاقتصادي، مُحاولين تسخيف النقاش عبر اتهام مُحدثيهم بأنّهم “لا يفقهون بالاقتصاد”.
تحت ضغط التظاهرات وقطع الطرقات، قرّر رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري نقل كلفة الفائدة على الدين الحكومي من الموازنة العامة إلى ميزانية مصرف لبنان (خفض ما كان يجب أن تدفعه الحكومة كخدمة للدين العام من نحو 5500 مليار ليرة إلى 1000 مليار ليرة). وسيكون “المركزي” مُضطراً إلى طبع 4500 مليار ليرة تقريباً ليتمكن من تغطية الفارق. إجراء “المركزي” بطبع المزيد من الأموال يعني أنّنا أمام خطر التضخم، إذا لم يُحسَن ضبطه. أما المصارف، فلن تتنازل سوى عن 400 مليون دولار من أرباحها، ولمرّة واحدة فقط في 2020. إنّه الهروب إلى الأمام، وحماية فئة محدودة على حساب الشعب. “نحن لا نقوم بإصلاحات، بل بحماية مصالح خاصة. لماذا التقشف؟ لأنّهم لا يريدون أن يمسّوا ببند أساسي من الموازنة العامة”، يقول شعبان، مُستغرباً كيف أنّ المصارف التي تُقرض الدولة “حين تسمع بأنّها تريد أن تتقشف (أي أنها لا تملك المال)، تستمر في إقراضها من دون أي مُساءلة”.