الهروب ثلثا المراجل: المصارف ستقفل بحجة الإضراب.. هل تصمد أمام الدعاوى القانونية؟

11 نوفمبر 2019آخر تحديث :
الهروب ثلثا المراجل: المصارف ستقفل بحجة الإضراب.. هل تصمد أمام الدعاوى القانونية؟

كتب خالد ابو شقرا في صحيفة “نداء الوطن”: الضبابية في معالجة الأزمة النقدية أفقدت المودعين الرؤية الواضحة ولو لأمتار قليلة. فذُعروا، وما كان منهم إلا التصرّف بغريزية لحماية جنى أعمارهم والدفاع عن حقوقهم المشروعة. في المقابل، فإن المصارف التي اعتادت على “التدلّل”، وحجزت لنفسها مكاناً نخبوياً في المجتمع، وجدت نفسها مجرّدة من أدوات التعامل مع الواقع المستجدّ وغير المنتظر، وعلى قاعدة “الهروب ثلثا المراجل”، لم يبقَ أمامها من حلّ إلا الاستمرار بإغلاق أبوابها.

 

 

تتحيّن المصارف الفرصة للإقفال، إلا ان أي قرار غير مبرّر تتّخذه بهذا الخصوص يعني استسلامها للأزمة، ولا سيّما مع ارتفاع منسوب المخاطر التي قد تواجهها عند معاودة فتح أبوابها في المدى القريب. وبدلاً من مصارحة المواطنين والإجابة عن أسئلة عشرات آلاف المودعين القلقين، تحجّجت البنوك بالأوضاع الأمنية وقطع الطرقات وأقفلت 14 يوماً، وعند معاودتها العمل اكتشفت أن الواقع أخطر بكثير مما توقّعت، فقلّصت الدوام الرسمي، وتلقّفت مناسبة عيد المولد النبوي الشريف، لتُقفل يومين في سابقة تاريخية، واعدةً على لسان حاكم “المركزي” بأنها “ستفتح أبوابها غداً الثلثاء بشكل طبيعي”، وذلك عقب اجتماع بعبدا المالي.

 

 

الإقفال بحجة الإضراب

 

لكن بحسب المتوقّع فإن المصارف لن تفتح الثلاثاء، والسبب هو الإضراب المفتوح، المنتظر أن تعلنه “نقابة موظفي المصارف”، بعد جمعيتها العمومية التي ستعقد اليوم الإثنين عند الساعة الحادية عشرة قبل الظهر، احتجاجاً على ما يتعرّض له الموظفون من مخاطر وإهانات، نتيجة قرارات المصارف بمنع سحب الودائع وقبول الليرة اللبنانية لتسديد مستحقات بالعملات الأجنبية ووقف التحويل الى الخارج.

 

 

على ضوء القرارات التي سيتّخذها مصرف لبنان، وما إذا كان سيمدّ المصارف بالسيولة المطلوبة التي تؤمّن طلبات المودعين، يتحدّد موقفنا من الاستمرار بالإقفال أو معاودة العمل”، يقول عضو نقابة موظفي المصارف أكرم عربي، ويضيف “لا يحق لأحد إطلاق الوعود ببقاء أبواب المصارف مفتوحة، فيما يتعرض الموظفون للاعتداءات الجسدية والمعنوية وللتهديد بالقتل والشتم وشتى أنواع الاهانات، فاذا كانوا يريدون استمرار العمل فليؤمّنوا الاموال اللازمة التي تلبّي طلبات جميع المواطنين. ونحن لن نرضى باستمرار العمل في حال ظلّت السقوف محدّدة بـ 500 و1000 دولار اميركي“.

 

 

المصارف عرضة للدعاوى

ذُعْر المصارف من جهة، وعدم توفّر السيولة الكافية لتلبية طلبات المودعين والزبائن من جهة ثانية، دفع تلك المصارف الى اتّخاذ إجراءات مقيّدة. المتعاملون الصغار لمسوا وجود سقف على سحوباتهم وعدم توفر الدولار الاميركي في الصرّافات الآلية، وارتفاع عمولة المصرف بين 5 و10 بالأف على سحوبات الدولار، فيما أثارت إجراءات “حجز الودائع”، وعدم السماح بالتصرف بها سحباً أو تحويلاً ولو جزئياً، أرعب كبار المودعين الذين بدأت تتبلور عند الكثيرين منهم النية برفع دعاوى جزائية على المصارف.

 

المصارف اللبنانية مجبرة على مراعاة النظام المصرفي العالمي، انطلاقاً من انفتاحها على العالم وامتلاك الكثير منها فروعاً لها في الخارج. لذا فإن إي خلل أو أي إنذار أو سمعة سيئة ممكن أن تطال أي مصرف لبناني، تعرّضه للإقفال أو للمعاقبة لمخالفته الأصول”، يقول رئيس مكتب “Salamas law firm” للاستشارات القانونية المحامي سلام عبد الصمد.

 

أما على الصعيد الداخلي، وبرأي عبد الصمد فإن “المصارف المخالِفة لأصول وقواعد العمل المصرفي الحرّ الذي التزمت به، معرّضة للمحاسبة أيضاً، باعتبار ان النظام المصرفي في لبنان منذ وضع قانون السرية المصرفية هو إحدى الركائز والدعائم التي يقوم عليها النظام المالي والنقدي، وبالتالي تعرّض المصرف لشكاوى قانونية من هذا النوع فهذا دليل على عدم تطبيق المصرف أهم الشروط، والتي هي محافظته على ملاءة مالية مرتفعة“.

 

تاريخياً، اعتبرت المصارف الملاذ الآمن للأفراد في الداخل والخارج. وقد كانت تلجأ الى رفع الفوائد والاحتفاظ بالسيولة لإراحة المودعين، ولو على حساب وقف الحركة التجارية وعرقلة الاستثمارات. لذا فإن تعرّضها اليوم لهجوم قانوني يعني ان الاقتصاد فقدَ دعامة وركيزة أساسية من ركائزه التي قام عليها، وهو ما يضرب الثقة بكامل النظام.

 

 

النتائج الاقتصادية

هذا على الصعيد القانوني، أما اقتصادياً فإن تخلّف المصارف عن تحرير الودائع التي تتوفّر فيها الشروط المطلوبة لسحب الوديعة، والاستمرار بتقييد حركة التحويلات للأغراض التجارية، والتلهّي بالتفاصيل الصغيرة كعدم قبول الليرة لتسديد القروض البسيطة، ووضع سقف مؤذٍ على سحوبات الدولار، ستؤدي الى نتائج وخيمة وأبرزها: وقف التحويلات من الخارج، ارتفاع أعداد الشيكات المرتجعة، تعطيل أكثر من ثلثي شركات ومؤسسات البلد ودفعها الى الإفلاس، ارتفاع نسبة البطالة بشكل جنوني، ونقص حاد في المواد الأساسية خصوصاً المستلزمات الطبية ومنتجات النفط والمواد الغذائية، وعجز الدولة عن سداد الرواتب لحوالى 320 ألف موظف في القطاع العام… ذلك على الرغم من طمأنة وزير المالية علي حسن خليل ان الموظفين سيتقاضون رواتب شهري 11 و12 بشكل طبيعي.

 

هذا الواقع الصعب والمعقّد الذي ترتفع مخاطره يومياً، تحاول “جمعية المصارف” و”مصرف لبنان” تفاديه، أو أقلّه الالتفاف عليه بطريقتين: الاولى تتمثّل بالإقفال بحجة الوضع الأمني وتعرّض سلامة الموظفين للخطر، والثانية محاولة قوننة ما يعرف بالـ capital control ما يجنّبها الدعاوى القانونية. لكن برأي متابعين مصرفيين، إن مفاعيل هذين الإجراءين في ظل هذه الظروف تُعتبر كارثية، وسترتد مخاطرها مضاعفة على المصارف والاقتصاد، خصوصاً أن الكلام عن ضعف احتياطي مصرف لبنان وتقديره بحسب وكالتي “موديز” و”فيتش” العالميتين بين 5 و10 مليارات دولار، وبأن القطاع العام قد استهلك خلال السنوات الماضية اكثر من 130 مليار دولار أصبح مفروغاً منه في ظل الصمت العام المطبق.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المقالات والآراء المنشورة في الموقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء أصحـابها أو بأسماء مستعـارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لموقع “بيروت نيوز” بل تمثل وجهة نظر كاتبها، و”الموقع” غير مسؤول ولا يتحمل تبعات ما يكتب فيه من مواضيع أو تعليقات ويتحمل الكاتب كافة المسؤوليات التي تنتج عن ذلك.