ذبول الأرز.. لبنان على حافة الانهيار المالي

3 ديسمبر 2019
ذبول الأرز.. لبنان على حافة الانهيار المالي

تحت عنوان “ذبول الأرز.. لبنان على حافة الإنهيار المالي”، كتب دميتري ميغونوف، في مجلة “إيزفيستيا”، مقالاً حول الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعصف بلبنان، وتداعياتها على المنطقة. وجاء في المقال:

“وعدت الحكومة اللبنانية بسداد مليار ونصف المليار دولار من الديون المستحقة على البلاد، وبالتالي فإن تهديد التخلف عن السداد قد تأجل لبعض الوقت، وفقا لمحللين. الآن تقف “سويسرا الشرق الأوسط”، والدولة التي كانت يضرب بها المثل من قبل الجيران بالنجاحات الاقتصادية، على حافة الهاوية.

بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في لبنان عام 2018، أكثر من 9.3 ألف دولار بينما كان نفس الرقم في تونس، التي تعتبر مزدهرة بالمعايير العربية، أقل بثلاثة أضعاف تقريبا عند مستوى 3.5 ألف دولار.

تدين قصة نجاح لبنان إلى بنيتها الاجتماعية التي تعتمد بنصف سكانها تقريبا، عكس بقية البلدان العربية، على الطوائف المسيحية، التي كانت لفترة طويلة المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي. كذلك هاجر جزء كبير من هذه الطوائف بشكل جماعي إلى الولايات المتحدة الأميركية وأميركا اللاتينية وأوروبا أثناء حكم الامبراطورية العثمانية، وشكلوا مجتمعات تجارية ناجحة ومترابطة. فيما بعد عاد بعض هؤلاء إلى لبنان، جالبين معهم الكثير من المال والكفاءات الجديدة، واستثمروا جزءا آخر بنشاط في الاقتصاد اللبناني، وذلك إلى جانب دعم لبنان من قبل الدول الغربية ولا سيما فرنسا.

لكن النمو الاقتصادي بدأ في التباطؤ بعد عام 2010، ليبلغ 1%، وذلك لعدة عوامل:
أولا، تقلص تدفق الاستثمارات من البلدان المتقدمة إلى البلدان النامية بعد أزمة 2008 الاقتصادية، حيث أحجمت تلك الاستثمارات عن المخاطرة في بيئة غير مستقرة.

ثانيا، كان الوضع في لبنان معقدا بسبب الحرب الأهلية في سوريا المجاورة، وانخفض عدد من يرغبون بالاستثمار في دولة تقع على الخطوط الأمامية من الحرب السورية.

وأخيرا، لعب دور الانخفاض العالمي لأسعار النفط دورا غير مباشر في ذلك، حيث اعتمد الاقتصاد اللبناني على تحويلات العاملين في الخارج، بخاصة في دول الخليج النفطية، حيث بلغ حجم التحويلات ربع الناتج المحلي الإجمالي، وضعف حجم جميع الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

وقد أدى كل ذلك إلى عجز هائل في ميزان التجارة، ليسجل هذا العجز عام 2017 مستوى 20 مليار دولار، وهو أكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي. أما في الوقت الراهن فيبلغ إجمالي الدين المحلي الإجمالي أكثر من 150%من الناتج المحلي الإجمالي، وتحتل لبنان المرتبة الثالثة بعد اليابان واليونان، لكن اليابان مدينة بشكل أساسي بديون داخلية، بينما يساعد الاتحاد الأوروبي اليونان.

بإمكان حل التشابك المتراكم للمشكلات في القطاع المالي بلبنان من خلال تخفيض قيمة العملة، كما تفعل العديد من الدول. لكن الليرة اللبنانية مرتبطة بالدولار منذ أكثر من عقدين، لدعم القطاع المالي في البلاد، وتحقيق حد أدنى من الرفاهية للمواطنين. لذلك فإن تخفيض قيمة العملة سوف يكون ضربة قاصمة لمستوى المعيشة في البلاد، في الوقت الذي يتعين على لبنان فيه سداد الديون بطريقة أو بأخرى.

المحزن في الوضع اللبناني هو أن النموذج الاقتصادي اللبناني، الذي يعتمد لحد كبير على تحويلات العاملين والاستثمارات الأجنبية في البنوك اللبنانية، لم يعد يجلب الثروة للغالبية العظمى من السكان، حيث تتوسع الطبقية الاقتصادية، ويحوز 1% من المودعين أكثر من نصف الودائع في النظام المصرفي الوطني، و10% يحصلون على ما يقرب من 60% من مداخيل الاقتصاد.

في عام 2019 فكرت الحكومة في تصحيح الوضع المالي، من خلال تدابير تقشفية وفقا للنموذج الذي اتبعته اليونان ودول أخرى، بموجب خطة لمكافحة الأزمة، شملت تخفيض المعاشات التقاعدية وتنظيما صارما للنظم المصرفية، وكان بعض المستثمرين على استعداد لتوفير الأموال اللازمة.

ولكن، ما إن تم الإعلان عن تلك التغييرات، حتى صادفت سوء فهم شعبيا، وغمرت البلاد احتجاجات، تسببت في انهيار الائتلاف الحاكم، واستقالة رئيس الوزراء، سعد الحريري، الأمر الذي ساهم في تدهور الأوضاع، نتيجة للتراجع السريع في احتياطيات النقد الأجنبي، الذي يتبخر بسرعة بسبب جهود الدولة في الحفاظ على سعر الليرة اللبنانية.

بلغ احتياطي النقد الأجنبي في لبنان 33 مليار دولار عام 2017، وفي مطلع العام الحالي وصل إلى 25 مليار دولار، بينما يتوقع خبراء أن يصل بسبب الأزمة إلى 19 مليار دولار بحلول يناير القادم، وذلك في الوقت الذي يتجاوز فيه إجمالي الديون المستحقة على لبنان بحلول نهاية عام 2020 أكثر من 6.5 مليار دولار، كما قد يتعين على لبنان أيضا أن يسدد فاتورة الاستيراد. الآن يكفي احتياطي النقد الأجنبي لـ 7-8 أشهر.

ويقترح المحللون، للخروج من الأزمة الراهنة، إعادة هيكلة للديون، وإعلان عجز تقني عن السداد، نظرا لأن سداد الديون من خلال إعادة التمويل في هذه الظروف عمليا مستحيل. لقد تخلت الحكومة المؤقتة عن محاولات تخطي دفعة السداد الحالية (مليار ونصف المليار دولار)، ومستعدة لدفعها بالكامل، خوفا من عواقب التخلف عن السداد، حيث يلوح شبح الانهيار الاقتصادي، إذا رأى المستثمرون عجز الدولة عن خدمة ديون ضخمة، وهو ما يمكن أن يهز الحالة الاقتصادية الهشة.

إذا لم يتم العثور على طريقة لحل الأزمة الاقتصادية اللبنانية، فمن المتوقع أن يستبب الانهيار المالي اللبناني في حدوث موجة من الصدمات في جميع أنحاء المنطقة. فعلى الرغم من أن الاقتصاد اللبناني صغير نسبيا، لكنها ليست الجمهورية الوحيدة في الشرق الأوسط التي تعاني من مشكلات مماثلة.

لا يزال هناك حل للمشاكل المالية الحالية في لبنان، بمشاركة لاعبين خارجيين مثل فرنسا والمملكة العربية السعودية وربما روسيا. يمكن لهذه الدول أن تساعد لبنان في كسب الوقت لاستقرار الوضع المالي. لكن، حتى في هذه الحالة، سوف ينخفض مستوى المعيشة في لبنان انخفاضا حادا. ومع ذلك، فعلى المدى الطويل، يحتاج لبنان للتوصل إلى بعض المزايا التنافسية الجديدة التي تتيح للدولة أن تحافظ على مشاركتها في السوق العالمية. لا تظهر في الوقت الحالي أي آفاق سوى في تطوير حقول النفط والغاز. 

سوف يبدأ لبنان في الأسابيع القليلة المقبلة في استكشاف حقول خاصة به بمساعدة شركة “نوفاتيك” الروسية، وإذا أثبتت هذه الجهود نجاحا مثلما حدث في الدولة المجاورة، فإن ذلك سوف يوفر للبنان فرصة جيدة لإعادة بناء واستقرار اقتصاده، الذي لن يستمر طويلا بشكله الحالي”.